يشهد العالم مؤخرًا اندفاعًا نحو البحث عن الهيدروجين الجيولوجي، وهو مورد لم يحظ بالاهتمام المناسب منذ فترة طويلة.
ويرى متخصصون أن هذا النوع من الهيدروجين الذي يُطلق عليه أيضًا “الأبيض أو الذهبي أو الطبيعي أو الأخضر” ، يمكن أن يلعب دورًا مهمًا في التحول نحو الطاقة النظيفة بعيدًا عن الوقود الأحفوري.
ما هو الهيدروجين الجيولوجي؟
يُقصد به الهيدروجين الموجود تحت سطح الأرض في شكله الطبيعي، والذي نتج عن التفاعل بين الماء والمعادن الغنية بالحديد تحت درجات حرارة عالية.
وحاليًا يتم إنتاج معظم الهيدروجين الأبيض من خلال استخدام الوقود الأحفوري مثل الفحم والغاز الطبيعي، ما ينتج عنه المزيد من الغازات الدفيئة.
ويتم إنتاج الهيدروجين الجيولوجي من خلال تقسيم الماء إلى هيدروجين وأكسجين باستخدام الكهرباء المتجددة، ولكنها عملية مكلفة وهو ما أعاق التوجه نحوه قبل ذلك.
ولكن الزخم حول الهيدروجين الجيولوجي يتزايد خلال الفترة الأخيرة، وتجري الآن جهود استكشافية في دول مثل الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وفرنسا وإسبانيا وكولومبيا وكوريا الجنوبية وغيرها.
وكشفت الأبحاث التي نشرتها شركة Rystad Energy في وقت سابق من هذا الشهر، أن 40 شركة كانت تبحث بنشاط عن رواسب الهيدروجين الجيولوجية بحلول نهاية العام الماضي.
وهذا الرقم مرتفع عن 10 شركات فقط كانت تجري أبحاثًا استكشافية بشأنه في عام 2020.
ويعلق الباحثون آمالًا على هذا المورد غير المستغل للتحول إلى الطاقة النظيفة، بما قد يغير قواعد اللعبة.
تاريخ اكتشاف الهيدروجين الأخضر
يقول رئيس أبحاث الهيدروجين في شركة Rystad Energy، مينه خوي لي، لشبكة CNBC، إن محاولات اكتشاف الهيدروجين الأخضر ليست وليدة هذا العصر، بل إنها بدأت نذ فترة طويلة.
وأضاف أنه لم يتم استغلال تلك المحاولات للبناء عليها وتعظيمها.
وكان الاكتشاف الأولي للهيدروجين الجيولوجي في عام 1987 في قرية صغيرة تبعد حوالي 60 كيلومترًا عن عاصمة مالي باماكو.
وخلال محاولة فاشلة للتنقيب عن المياه بواسطة شركة هيدروما الكندية ، اصطدم العاملون بكمية كبيرة من الغاز عديم الرائحة الذي تبين عن غير قصد أنه شديد الاشتعال.
ولكن سرعان ما تم سد البئر ونسيانه ول يلتفت أحد لهذا الاكتشاف.
وبعد مرور عقدين من الزمن، تمكنت الاكتشافات اللاحقة في الموقع من العثور على خزانات جيولوجية تحتوي على غاز الهيدروجين النقي تقريبًا.
وفي الأيام الحالية، يتم استخدام هذا المورد لتوفير الطاقة لقرية بوراكيبوغو المالية.
وخلال العالم الماضي، اكتشف الباحثون مستودع للهيدروجين الجيولوجي في منطقة لورين في شرق فرنسا، والذي يتم اعتباره أكبر مستورد لهذا الغاز في العالم.
الاحتياطيات المستقبلية من الهيدروجين الجيولوجي
بحسب توقعات عالم الجيولوجيا البحثي في برنامج موارد الطاقة التابع لهيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS)، جيفري إليس، فإنه من الممكن أن تكون هناك كمية هائلة من الهيدروجين الموجود بشكل طبيعي مدفونة في الخزانات الجوفية حول العالم.
ويُقدر إليس هذه الكمية بنحو 5 تريليون طن متري من الهيدروجين الجيولوجي في باطن الأرض، ولكنه في طبقات عميقة جدًا بحيث لا يمكن استخراجها بسهولة.
وعلى الرغم من ذلك فإن كمية الهيدروجين الجيولوجي المطلوبة لتغطية الطلب العالمي لمدة 200 عام قادمة ليست كبيرة للغاية.
وقال إليس ”إن الإمكانات موجودة ولكن يتعين علينا القيام بالعمل”، مضيفًا أن المزيد من الاستثمار ضروري لتسريع البحث والتطوير في المراحل المبكرة.
كانت وزارة الطاقة الأمريكية أعلنت الشهر الماضي عن 20 مليون دولار لدعم 16 مشروعًا على مستوى البلاد، لتعزيز توليد الهيدروجين الطبيعي تحت السطح.
وقالت إن مصدر الطاقة يمكن أن ينتج عنه انبعاثات كربونية صفرية عند حرقه أو استخدامه في خلية وقود.
ولكن لم يتم البدء في أي من هذه المشروعات حتى الآن، وهو ما يترك علامات استفهام حول الإمكانات اللازمة.
وأضاف: “إذا تحققت بعض هذه الأرقام التي أعلنتها بعض المعاهد، مثل هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية، حول الحجم المحتمل الذي يمكنك استخراجه، فيمكن أن تلعب في الواقع دورًا مهمًا للغاية”.
البحث عن البدائل
من ناحية أخرى ترى محللة الطاقة في معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي، آنا ماريا جالر-ماكارويتز، أنه أحيانًا ما يستعجل البعض الركض قبل المشي.
وتُشير ماكارويتز بجملتها إلى ضرورة البحث عن طرق لاستبدال الهيدروجين الرمادي بالأخضر، إذ يتسبب النوع الأول في انبعاث الغازات الدفيئة.
ويتم إنتاج الهيدروجين الرمادي عن طرق الغاز الطبيعي، وهو الشكل الأكثر شيوعًا لإنتاجه، وتشير تقديرات صندوق الكربون إلى أن أقل من 1% من الإنتاج العالمي الحالي للهيدروجين خالٍ من الانبعاثات.
وبحسب تحالف علوم الهيدروجين -هو مجموعة من الأكاديميين والعلماء والمهندسين الذين يسعون إلى تقديم وجهة نظر قائمة على الأدلة لدور الهيدروجين في تحول الطاقة – فإن الإنتاج العلامي الحالي من الهيدروجين الجيولوجي لا يتعدى طاقة يومية لتوربينة رياح واحدة.
بخلاف ذلك، يُشير التحالف إلى مخاوف بيئية من عملية الاستخراج، بخلاف تحديات النقل والتوزيع.
وهناك إِشكالية أخرى وهي عدم التيقن من العثور على الهيدروجين الجيولوجي في الأماكن التي تحتاج بصورة أكبر.
وقال التحالف إن احتمالات العثور على الهيدروجين الجيولوجي بكميات تضاهي مشروعات الغاز الطبيعي الضخمة، قد تبدو ضئيلة نسبيًا.
اقرأ أيضًا:
القطار الهيدروجيني.. ماهيته وكيفية عمله
توقعات إنتاج الهيدروجين عالمياً بحلول 2050
لماذا لا يسير التحول إلى الهيدروجين الأخضر بالنسق المطلوب؟
المصدر: CNBC