يظل ألبرت أينشتاين، أحد أبرز العقول في تاريخ البشرية، فهو من أسس نظرية النسبية، وعُدّ رمزًا للعبقرية العلمية، ومع ذلك، لا يخلو إرثه من جدل دائر منذ عقود، يتمحور حول مزاعم بأن بعضًا من إنجازاته الكبرى قد لا تكون ملكًا له وحده، بل ربما شاركه فيها آخرون، أو حتى سرقها، فهل هذه مجرد شائعات تهدف إلى التقليل من شأنه، أم أن هناك حقائق غائبة لم تُكشف بعد؟
تدور أبرز وأكثر الشائعات انتشارًا حول دور زوجة ألبرت أينشتاين الأولى، ميليفا ماريتش، عالمة الفيزياء الصربية، في أوراقه البحثية الرائدة التي نُشرت عام 1905، والتي تُعرف بـ “عام المعجزات” وتضمنت نظرياته حول التأثير الكهروضوئي، وحركة براون، وأجزاء من النظرية النسبية الخاصة.
يعتقد البعض أن ماريتش، التي كانت زميلته في الدراسة بالمعهد البوليتكني في زيورخ، ربما شاركت بشكل جوهري في تطوير هذه الأفكار، وربما كانت مؤلفة مشاركة غير معترف بها.
تغذت هذه الشائعات بشكل كبير على بعض المراسلات الشخصية بين أينشتاين وماريتش قبل زواجهما، حيث استخدم في بعض الأحيان عبارات مثل “عملنا” أو “نظريتنا” عند الإشارة إلى أبحاثهما، كما أن حقيقة أن ماريتش كانت تتمتع بخلفية قوية في الفيزياء والرياضيات، وتفوقها في بعض المواد الدراسية المشتركة، أضافت وزنًا لتلك التكهنات.
بالإضافة إلى ذلك، يشير البعض إلى أنها تخلت عن مسيرتها المهنية بعد الزواج وتربية الأطفال، مما قد يوحي بتضحيتها من أجل مسيرة أينشتاين.
رغم هذه التساؤلات، فإن الإجماع الساحق بين مؤرخي العلوم وعلماء الفيزياء لا يدعم فكرة أن ميليفا ماريتش كانت مؤلفة مشاركة لأوراق ألبرت أينشتاين عام 1905؛ لأسباب عديدة في مقدمتها أن استخدام مصطلح “عملنا” في المراسلات الشخصية كان شائعًا بين الأزواج والأصدقاء المقربين في ذلك الوقت، وقد يشير إلى الدعم العاطفي أو النقاش الفكري العام، وليس بالضرورة إلى مشاركة مباشرة في صياغة الأفكار أو المعادلات.
وبعد عام 1905، واصل أينشتاين تطوير أفكاره ونشر العديد من الأوراق البحثية، بما في ذلك نظرية النسبية العامة الأكثر تعقيدًا، والتي لا توجد فيها أي إشارة إلى مشاركة ماريتش، بينما لم تواصل ماريتش مسيرتها البحثية بشكل مستقل، وهو أمر كان سيُتوقع منها لو كانت لديها القدرة على إنتاج أبحاث بهذا المستوى من الأهمية.
ولم يذكر أي من الزملاء أو الأساتذة الذين عرفوا كليهما في تلك الفترة، أو بعد ذلك، أن ماريتش كان لها دور فعال في صياغة النظريات، كما حصل أينشتاين على جائزة نوبل في الفيزياء عام 1921 عن اكتشافه لقانون التأثير الكهروضوئي، وهو أحد أوراق عام 1905، ولو كان هناك أي شك حول تأليف هذه الأبحاث في الدوائر العلمية، لكانت لجنة نوبل قد أثارت هذا الأمر.
وبعد طلاقهما، خصص أينشتاين جزءًا من أموال جائزة نوبل التي حصل عليها لميليفا ماريتش وأطفالهما، ففسر البعض هذا على أنه “ثمن” صمتها أو اعتراف بدورها، لكن التفسير الأكثر قبولًا هو أنها كانت تسوية مالية سخية للطلاق ودعمًا لأبنائهما.
بالإضافة إلى الجدل حول ميليفا ماريتش، تظهر أحيانًا ادعاءات أقل انتشارًا تشير أن ألبرت أينشتاين قد اقتبس أفكارًا من علماء آخرين دون الاعتراف الكافي بهم.
على سبيل المثال، يشار أحيانًا إلى عمل هنري بوانكاريه وهندريك لورنتز في تطوير معادلات تحويل لورنتز كأحد الأسس التي بنى عليها أينشتاين نظرية النسبية الخاصة.
ومع ذلك، يؤكد مؤرخو العلوم أن أينشتاين، مثل أي عالم، بنى على عمل أسلافه ومعاصريه، والفارق الجوهري هو أنه لم يقتبس معادلات فقط، بل قدم إطارًا نظريًا جذريًا جديدًا، وهو مبدأ النسبية ومبدأ ثبات سرعة الضوء؛ لتفسير هذه المعادلات بطريقة لم يسبقه إليها أحد.
وفي النهاية، يظل ألبرت أينشتاين هو المؤلف الوحيد المعترف به لأوراقه البحثية الرائدة، بينما لا يمكن إنكار أن ميليفا ماريتش كانت رفيقة فكرية مهمة في حياته الشخصية والعلمية المبكرة، وأن بيئة المناقشة وتبادل الأفكار كانت ضرورية للعديد من العلماء، فإن الأدلة الأكاديمية والتاريخية لا تدعم الادعاء بأنها كانت مؤلفة مشاركة للأعمال التي نُسبت لأينشتاين وحده.