في ظل النقاشات الدائرة حول مستقبل برنامج إيران النووي، برزت قضية مصير مخزونها من اليورانيوم المخصب كعنصر حاسم في أي تسوية محتملة. وتكشف تصريحات المسؤولين والخبراء عن عملية معقدة لحفظ هذه المادة الحساسة، تتداخل فيها الإجراءات التقنية الدقيقة مع الاعتبارات السياسية والاستراتيجية، خاصة فيما يتعلق بإمكانية نقلها أو إخفائها بعيدًا عن أعين الرقابة الدولية.
ويعتبر فهم كيفية تخزين اليورانيوم المخصب أمرًا محوريًا، حيث إن طبيعة هذه العملية تؤثر بشكل مباشر على سهولة نقله والتحقق من كمياته، وهو ما يجعله في قلب الجدل الدائر بين إيران والقوى الغربية. وتتراوح الأسئلة بين الإجراءات الفنية المتبعة لضمان استقراره، والجدل السياسي حول ما إذا كانت طهران قد قامت بإخفاء أجزاء من مخزونها قبل الضربات العسكرية الأخيرة.
تبدأ عملية حفظ اليورانيوم المخصب بعد انتهاء مراحل التخصيب المعقدة. في هذه المرحلة، يتم تحويل اليورانيوم من حالته الغازية (سداسي فلوريد اليورانيوم) إلى مادة صلبة، وُصفت بأنها تشبه في مظهرها التراب البني. هذه المادة الصلبة هي الشكل الذي يتم التعامل معه في عمليات التخزين طويلة الأمد.
ولضمان الأمان ومنع أي تسرب، يتم وضع هذه المادة داخل كبسولات معدنية مصممة خصيصًا ومحكمة الإغلاق. وتُصنع هذه العبوات من مواد ذات مواصفات عالية، قادرة على مقاومة التآكل ومنع أي تسرب إشعاعي. كما تتطلب عملية الحفظ ظروفًا بيئية خاضعة للرقابة، حيث تُحفظ الكبسولات في درجة حرارة منخفضة ورطوبة قليلة، وذلك للحفاظ على استقرار المادة النووية ومنع أي تفاعلات غير مرغوب فيها.
أحد الجوانب التي تثير قلق المراقبين الدوليين هو الخصائص الفيزيائية لهذه الكبسولات. فهي صغيرة نسبيًا وسهلة النقل، مما يفتح الباب نظريًا أمام إمكانية إخفائها أو نقلها بشكل سري بعيدًا عن أعين الرقابة. وقد أثيرت هذه المخاوف في تقارير إعلامية تحدثت عن احتمال قيام إيران بنقل كميات من اليورانيوم المخصب قبل الضربات الأمريكية الأخيرة.
لكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قلل من شأن هذه المخاوف، حيث أوضح في تصريحات له أن عملية نقل اليورانيوم المخصب ليست سهلة كما تبدو. وأشار إلى أن المادة “ثقيلة جدًا جدًا” وخطيرة، وأن عملية نقلها تتطلب تحضيرات كبيرة، معتبرًا أن الإيرانيين لم يكن لديهم الوقت الكافي للقيام بذلك في ظل الهجوم المفاجئ.
ولا تقتصر أهمية اليورانيوم المخصب على طريقة حفظه، بل على درجة تخصيبه أيضًا. فقرار إيران في السابق برفع مستوى التخصيب إلى 60% كان خطوة ذات أبعاد سياسية أكثر منها تقنية. فاليورانيوم المخصب بهذه النسبة، الذي يُصنف كيورانيوم عالي التخصيب (HEU)، لا يمكن استخدامه مباشرة في صنع جهاز نووي فعال، وليس له استخدام مدني واضح لدى إيران.
ويرى الخبراء أن هذه الخطوة كانت بمثابة رسالة سياسية لإظهار قدرة إيران على الوصول إلى مستويات قريبة جدًا من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة (90%)، مما يجعل خطوة التخصيب النهائية قصيرة جدًا. وقد أظهرت الممارسة العملية أن أولوية إيران كانت إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، الذي له استخدام مدني في مفاعل طهران البحثي، مما يؤكد أن إنتاج نسبة 60% كان يهدف إلى تعزيز موقفها التفاوضي.
وتحول مخزون اليورانيوم المخصب لدى إيران إلى ورقة مساومة رئيسية في المفاوضات الجارية. وقد أشار مندوب إيران لدى الأمم المتحدة إلى أن طهران قد توافق على نقل مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20% و60% إلى دولة أخرى كجزء من أي اتفاق مستقبلي مع الولايات المتحدة. وأوضح أن البديل لذلك هو إبقاء هذا المخزون داخل إيران، ولكن تحت إشراف كامل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية. هذا الموقف يؤكد أن مصير هذا المخزون الحساس سيكون في صلب أي اتفاق نووي قادم.