نجح فريق من الباحثين في تحديد دواء تجريبي أظهر نتائج واعدة على الفئران المصابة باضطراب طيف التوحد. وكانت المفاجأة الكبرى أن جرعة واحدة فقط من العقار المعروف باسم Z944 أو “أوليكساكالتاميد” كانت كافية لتقليل أعراض معقدة طالما ارتبطت بهذا الاضطراب العصبي.
وبحسب ما نشرته صحيفة “ديلي ميل”، ركز علماء من كلية الطب بجامعة ستانفورد في دراستهم على جزء صغير من الدماغ يعرف بـ”النواة المهادية الشبكية”، وهي المسؤولة عن تنظيم المعلومات الحسية التي يتلقاها الإنسان من بيئته. هذه المنطقة بدت مفرطة النشاط لدى الفئران المعدلة وراثيًا بطفرات جينية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بمرض التوحد، ما أدى إلى ظهور سلوكيات انعزالية، وفرط في الحساسية تجاه الأصوات والضوء، إلى جانب تكرار الحركات والأنشطة اليومية بشكل مفرط.
تم تصميم العقار Z944 في الأصل ليكون علاجًا للنوبات الصرعية. وهو يعمل كمضاد لقنوات الكالسيوم من النوع T داخل الخلايا العصبية، مما يحد من التيارات الكهربائية غير الطبيعية التي تؤدي إلى النوبات. وعندما استُخدم هذا الدواء على الفئران التي تظهر أعراض التوحد، لاحظ العلماء تراجعًا ملحوظًا في العزلة الاجتماعية والسلوكيات التكرارية، بل وانخفاضًا في احتمالية حدوث النوبات أيضًا.
وتشير الدراسات إلى أن نحو ثلث المصابين باضطراب التوحد يعانون أيضًا من الصرع. هذه العلاقة دفعت العلماء إلى الاعتقاد بأن كلا الحالتين تتقاسمان أسسًا بيولوجية مشتركة، مثل الطفرات الجينية أو النشاط الكهربائي غير المنتظم في الدماغ. وقد عززت النتائج الجديدة هذه الفرضية، إذ تبين أن السيطرة على النشاط المفرط في النواة المهادية الشبكية يقلل في الوقت نفسه من علامات التوحد والنوبات الصرعية.
وتأتي هذه النتائج في وقت حساس، حيث تكشف الإحصاءات في الولايات المتحدة أن حالة التوحد أصبحت أكثر شيوعًا مما كانت عليه في السابق. ففي الوقت الحالي، يُقدّر أن واحدًا من كل 31 طفلًا مصاب بالاضطراب، مقارنة بنسبة كانت تبلغ طفلًا واحدًا من بين 150 في أوائل الألفية. ويعزو بعض الخبراء هذه الزيادة إلى تحسن أدوات التشخيص وزيادة الوعي بين الأطباء والأهالي، بينما يرى آخرون أن العوامل البيئية مثل المبيدات الحشرية والأغذية المعالجة صناعيًا والمعادن السامة ربما تلعب دورًا في تفاقم معدلات الإصابة.
اعتمد فريق ستانفورد على فئران تحمل طفرات في جين يُعرف بـCNTNAP2، وهو جين ارتبط سابقًا باضطرابات التوحد. أظهرت الفئران فرطًا في النشاط العصبي داخل النواة المهادية الشبكية نتيجة لتيارات قوية من الكالسيوم. ولكن بمجرد إعطائها Z944، تراجع نشاط هذه المنطقة الدماغية، وتحسنت الأنماط السلوكية بشكل ملحوظ. وعندما حاول الباحثون إعادة تنشيط تلك المنطقة، عادت أعراض التوحد من جديد، ما يؤكد أن الدواء يستهدف محورًا عصبيًا حاسمًا في الدماغ.
ورغم النتائج المشجعة، فإن الباحثين حذروا من أن الطريق ما يزال طويلًا قبل أن يصبح Z944 علاجًا معتمدًا لمرضى التوحد. فالدواء لم يتجاوز بعد مرحلة التجارب السريرية الخاصة بالصرع، ولا يُعرف كيف ستكون استجابة البشر له من حيث الفعالية أو الأمان. لذلك شدد الفريق على ضرورة إجراء المزيد من الدراسات لفهم التأثيرات المحتملة على المدى الطويل.
ويعتقد العلماء أن هذه النتائج تمهد الطريق لحقبة جديدة في فهم ومعالجة التوحد. فبدلًا من الاقتصار على العلاجات السلوكية أو الدوائية التقليدية التي تعالج الأعراض بشكل سطحي، قد يكون بالإمكان قريبًا التدخل مباشرة في الدوائر العصبية المسؤولة عن الاضطراب. ويقتح هذا التوجه الباب أمام استراتيجيات علاجية دقيقة تستهدف الخلل في جذوره، وهو ما لم يكن ممكنًا قبل هذا الاكتشاف.