خروف عمره 4000 عام ساعد في حل أحد أخطر ألغاز التاريخ!

ديسمبر ٢٠, ٢٠٢٥

شارك المقال

خروف عمره 4000 عام ساعد في حل أحد أخطر ألغاز التاريخ!

تمكّن علماء آثار وأحياء دقيقة من تحقيق اختراق علمي لافت في فهم أحد أكثر الأوبئة غموضاً في التاريخ، بعدما كشفوا أول دليل على إصابة خروف بسلالة قديمة من مرض الطاعون تعود إلى العصر البرونزي، في اكتشاف يقود إلى إعادة تفسير كيفية انتشار هذا المرض القاتل عبر القارات قبل آلاف السنين.

وخلال العصور الوسطى، كان الطاعون – المعروف بالموت الأسود – مسؤولاً عن القضاء على ما يقرب من ثلث سكان أوروبا، وقد انتشر آنذاك عبر البراغيث التي حملت بكتيريا يرسينيا الطاعونية من الفئران المصابة إلى البشر، لكن ما حيّر العلماء لسنوات طويلة هو سلالة أقدم من هذا المرض، ظهرت قبل نحو 5000 عام، وانتشرت في أنحاء أوراسيا لمدة تقارب ألفي عام، رغم أنها لم تكن قابلة للانتقال عبر البراغيث.

لغز سلالة الطاعون القديمة

أظهرت الدراسات السابقة أن سلالة الطاعون في العصر البرونزي تختلف جذرياً عن تلك التي اجتاحت أوروبا في القرون الوسطى، فقد كانت تفتقر إلى الطفرات الجينية التي تسمح لها بالانتقال عبر الحشرات الناقلة، ما جعل العلماء عاجزين عن تفسير قدرتها على البقاء والانتشار لمسافات شاسعة، من شرق أوروبا إلى آسيا الوسطى.

هذا الغموض دفع الباحثين للتساؤل: إذا لم تكن البراغيث هي الوسيلة، فما الذي سمح لهذا المرض بالتحرك عبر القارات والبقاء لقرون طويلة؟

الدليل الحاسم.. خروف من العصر البرونزي

الإجابة جاءت من حيث لم يتوقعها أحد، فقد توصل فريق بحثي دولي، يضم عالم الآثار تايلور هيرميس من جامعة أركنساس، إلى أول دليل مؤكد على إصابة حيوان – وليس إنساناً – بالطاعون خلال العصر البرونزي.

وعثر الفريق على الحمض النووي لبكتيريا يرسينيا الطاعونية في بقايا خروف مستأنس عاش قبل نحو 4000 عام، في موقع أركايم، وهي مستوطنة محصنة تقع في جبال الأورال الجنوبية بروسيا الحالية، بالقرب من حدود كازاخستان.

هذا الاكتشاف، الذي نُشرت نتائجه في مجلة Cell العلمية، وشارك فيه باحثون من جامعة هارفارد ومؤسسات بحثية مرموقة في ألمانيا وروسيا وكوريا الجنوبية، يُعد أول حالة موثقة لإصابة حيوان بالطاعون في تلك الحقبة الزمنية.

صدفة علمية أثناء دراسة الماشية القديمة

لم يكن البحث عن الطاعون هو الهدف الأساسي للدراسة، إذ يعمل هيرميس منذ سنوات على مشروع واسع النطاق لدراسة الحمض النووي للماشية القديمة، بهدف تتبع كيفية انتشار الأبقار والماعز والأغنام المستأنسة من منطقة الهلال الخصيب إلى مختلف أنحاء أوراسيا، ودورها في نشوء المجتمعات الرعوية والإمبراطوريات البدوية.

وأوضح هيرميس أن تحليل الحمض النووي للحيوانات القديمة غالباً ما يكون معقداً بسبب التلوث، لكنه في الوقت نفسه يفتح الباب أمام اكتشاف مسببات الأمراض التي أصابت تلك الحيوانات ومن تعامل معها من البشر.

تحديات استخراج الحمض النووي القديم

يُعد هذا النوع من الأبحاث بالغ الدقة والصعوبة، إذ يتطلب فصل الحمض النووي للكائن المستهدف عن خليط ضخم من الأحماض النووية الأخرى، فالعظام والأسنان المدفونة تتعرض عبر آلاف السنين لتلوث من الكائنات الدقيقة في التربة، إضافة إلى التلوث البشري الحديث أثناء التنقيب والدراسة.

وغالباً ما تكون شظايا الحمض النووي المستخرجة قصيرة للغاية، لا تتجاوز 50 زوجاً قاعدياً، مقارنة بأكثر من 3 مليارات زوج قاعدي في الجينوم البشري الكامل، كما أن بقايا الحيوانات تكون أقل حفظاً من بقايا البشر، نتيجة الطهي، والتعرض للعوامل البيئية، وإلقائها في مكبات النفايات القديمة.

لحظة الاكتشاف

أثناء تحليل عينات جُمعت خلال حفريات في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، لاحظ الفريق وجود تسلسل جيني غير متوقع داخل عظمة خروف.

وقال هيرميس: “عندما رأينا الحمض النووي لبكتيريا الطاعون في عينة غير بشرية، أدركنا أننا أمام اكتشاف استثنائي، كانت هذه المرة الأولى التي نعيد فيها بناء جينوم يرسينيا الطاعونية من حيوان”.

وأضاف أن أهمية الموقع تعود أيضاً إلى ارتباطه بحضارة سينتاشتا، المعروفة بتطورها العسكري، واستخدامها المبكر للخيول، وانتشارها الجيني الواسع في آسيا الوسطى.

إعادة تفسير انتشار الطاعون

قاد هذا الاكتشاف العلماء إلى فرضية جديدة مفادها أن انتشار الطاعون في العصر البرونزي لم يكن مرتبطاً فقط بحركة البشر، بل بشبكة معقدة من التفاعل بين الإنسان والماشية، وربما مستودعات طبيعية أخرى لم تُحدد بعد.

وأشار هيرميس إلى أن هذه المستودعات قد تشمل القوارض البرية في سهوب أوراسيا أو حتى الطيور المهاجرة، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة لفهم ديناميكيات انتقال الأمراض في العصور القديمة.

حصل هيرميس على منحة بحثية مدتها خمس سنوات من جمعية ماكس بلانك الألمانية لمواصلة التنقيب عن عينات بشرية وحيوانية في منطقة الأورال الجنوبية، بحثاً عن أدلة إضافية على إصابات الطاعون القديمة، ويرى الباحث أن طاعون العصر البرونزي كان على الأرجح بسبب ازدياد أعداد الماشية، واحتكاك البشر المكثف بالحيوانات، والتنقل المستمر عبر بيئات طبيعية حساسة.

يمكنك أن تقرأ أيضًا:

اكتشاف جمجمة بشرية نادرة على شكل مكعب عمرها 1400 عام

10 أشياء غير متوقعة صنعها العلماء باستخدام الحمض النووي

أبرزها ثقب الجمجمة وابتلاع الديدان.. علاجات طبية غريبة أثبتت نجاحها !

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech