في كل عام، يُنتظر الانقلاب الصيفي باعتباره لحظة فلكية مميزة تدشن بداية فصل الصيف في نصف الكرة الشمالي، ويُعد اليوم الأطول من حيث ساعات النهار والأقصر من حيث الليل.
وعلى الرغم من ما يحمله من ظواهر بصرية ساحرة، إلا أن الانقلاب الصيفي يخفي وراءه تفسيرًا علميًا دقيقًا يرتبط بدوران الأرض وميل محورها.
يحدث الانقلاب الصيفي نتيجة ميل محور الأرض بمقدار 23.5 درجة أثناء دورانها حول الشمس، هذا الميل يجعل النصف الشمالي من الأرض مائلًا نحو الشمس في هذا التوقيت من العام، مما يمنحه ضوءًا أكثر، وبالتالي نهارًا أطول وليلاً أقصر.
وفي المقابل، يشهد النصف الجنوبي من الكرة الأرضية الانقلاب الشتوي في نفس الوقت، حيث تكون الشمس في أدنى درجات إشراقها.
في يوم الانقلاب الصيفي، تكون الشمس عند الظهيرة في أعلى نقطة لها في السماء بالنسبة لنصف الكرة الشمالي، وتحديدًا فوق “مدار السرطان”، الذي يمر بعدة دول منها السعودية ومصر والهند والصين والمكسيك، وهذا هو أقصى مكان شمالي يمكن أن تكون فيه الشمس مباشرة فوق الرأس.
أما في القطب الشمالي، فإن الشمس لا تغرب إطلاقًا، بينما في القطب الجنوبي، لا تشرق الشمس على الإطلاق، ما يخلق تباينًا فلكيًا مذهلًا في هذا اليوم.
يقع الانقلاب الصيفي عادة في 20 أو 21 يونيو من كل عام في نصف الكرة الشمالي، بينما يحدث في 21 أو 22 ديسمبر في نصف الكرة الجنوبي.
قد يختلف التاريخ من عام لآخر نتيجة اختلاف طول السنة الشمسية (365.25 يومًا)، ما يستدعي إضافة يوم كبيس كل أربع سنوات في التقويم الميلادي.
رغم الاعتقاد السائد بأن الانقلاب الصيفي يحدث عندما تكون الأرض أقرب إلى الشمس، فإن العكس هو الصحيح، في الواقع، تكون الأرض في أبعد نقطة عن الشمس (الأوج) في أوائل يوليو، بعد نحو أسبوعين من الانقلاب الصيفي، حيث تبلغ المسافة بينهما أكثر من 152 مليون كيلومتر.
أما أقرب نقطة للأرض من الشمس (الحضيض)، فتكون في يناير، أي بعد أسبوعين من الانقلاب الشتوي.
على الرغم من زيادة سطوع الشمس في يوم الانقلاب الصيفي، إلا أن هذا اليوم لا يُعد الأكثر حرارة خلال السنة كما كان يعتقد الكثير من الناس، والسبب هو ظاهرة “التأخر الموسمي”، حيث تمتص اليابسة والمحيطات الحرارة تدريجيًا، وتبلغ درجات الحرارة ذروتها عادة بعد أسابيع من الانقلاب، ويحدث ذلك في أحد أيام شهري يوليو وأغسطس.
وفقًا للتقويم الفلكي، يبدأ الصيف في نصف الكرة الشمالي مع الانقلاب الصيفي ويستمر حتى الاعتدال الخريفي في 21 أو 22 سبتمبر، في حين تُعرّف الأرصاد الجوية الصيف بأنه يبدأ في 1 يونيو وينتهي في 31 أغسطس.
يبلغ متوسط مدة الصيف فلكيًا حوالي 93.6 يومًا في النصف الشمالي، و89 يومًا في النصف الجنوبي، بسبب اختلاف سرعة الأرض في مدارها البيضاوي الشكل.
منذ آلاف السنين، حظي الانقلاب الصيفي باهتمام حضارات متعددة، وارتبط بطقوس روحية واحتفالات جماعية، ويُعد موقع “ستونهنج” في إنجلترا من أبرز المعالم التي ترتبط بهذه الظاهرة، حيث تصطف أشعة الشمس فجرًا بشكل مذهل مع حجر ضخم يُعرف باسم “حجر الكعب”، ويُبث الحدث مباشرةً على قناة التراث الإنجليزي الرسمية على يوتيوب.
وفي مصر، يُلاحظ في هذا اليوم أن الشمس تغرب بين هرمي خوفو وخفرع، مشكّلة مشهدًا بصريًا فريدًا.
كلمة الانقلاب الشمسي “Solstice” مشتقة من اللاتينية وتعني “توقف الشمس”، وهي تعبير دقيق عن ظاهرة تبدو فيها الشمس وكأنها تتوقف مؤقتًا عن تغيير موقع شروقها وغروبها، ثم تبدأ تدريجيًا بالانزياح جنوبًا استعدادًا لفصل الخريف.
يُعد الانقلاب الصيفي أكثر من مجرد ظاهرة فلكية، فهو مناسبة لفهم التوازن الدقيق لحركة الأرض حول الشمس، وتأثيره على مناخ الأرض وحياتنا اليومية، ويذكّرنا بعظمة الكون ودقّة خالقه.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
موجات حر بحرية تضع آخر نهر جليدي استوائي على حافة الانقراض
العلماء يكشفون عن أكبر خريطة للكون تمتد لأكثر من 13 مليار سنة
اليوم العالمي للنحل.. كيف دفع “نبع العسل” ثمن التغير المناخي؟
