أظهرت دراسة بحثية حديثة نتائج مثيرة حول علاقة مرض باركنسون بالجهاز الهضمي، مشيرة إلى أن هذا المرض العصبي قد يبدأ في الأمعاء أولًا قبل أن يصل إلى الدماغ.
ويعتقد الباحثون أن هناك تفاعلات معقدة بين ميكروبات الأمعاء والتي تسهم في تطور المرض، مما يفتح بابًا لفهم أعمق لهذا الاضطراب العصبي المجهول السبب.
دور ميكروبيوم الأمعاء في تطور مرض باركنسون
تحتوي الأمعاء على مجموعة واسعة من الكائنات الدقيقة التي تعرف بالميكروبيوم المعوي، وتلعب هذه الميكروبات دورًا أساسيًا في صحة الجهاز الهضمي ووظائف الجسم المختلفة.
لكن، في حالة مرض باركنسون، يشير البحث إلى تغيرات في التوازن الطبيعي لهذه الميكروبات، حيث تزداد بعض العائلات البكتيرية مثل Enterobacteriaceae، والتي تشمل البكتيريا المعروفة مثل E. coli.
وتظهر الدراسات أن الزيادة في هذه الأنواع من البكتيريا قد تؤدي إلى تفاقم الأعراض الحركية المرتبطة بالمرض.
البحث عن التفاعل الكيميائي بين البكتيريا والأمعاء
تمكنت الباحثة إليزابيث بيس، الأستاذة المساعدة في قسم الكيمياء بجامعة كاليفورنيا، وزملاؤها من إجراء سلسلة من التجارب لتحديد التفاعل الكيميائي الذي يحدث بين البكتيريا والأمعاء في مرضى باركنسون.
ركزت هذه الدراسات على كيفية تأثير الإشريكية القولونية في الأمعاء، حيث أظهرت أن تفاعلًا متسلسلًا بين البكتيريا والمواد الكيميائية مثل الحديد والنترات يؤدي إلى تكوين تكتلات بروتينية في الأمعاء.
وأشارت نتائج البحث إلى أن هذه التكتلات البروتينية في الأمعاء قد تحفز تكوين نفس التكتلات في الدماغ، والتي تعتبر من السمات الأساسية لمرض باركنسون.
ويفتح هذا الاكتشاف المجال لفهم جديد حول كيفية تأثير ميكروبيوم الأمعاء في تطور المرض، مما قد يساعد في تطوير أساليب جديدة للوقاية والعلاج.
التفاعل بين الحديد والنترات في الأمعاء
في إحدى الدراسات التي أجراها الباحثون، تم زراعة البكتيريا E. coli في بيئة تحتوي على الحديد والنترات، وهو مركب يتواجد بكثرة في الأمعاء عند حدوث الالتهابات أو الضغوط التأكسدية.
وجد الباحثون أن البكتيريا تستخدم النترات كوقود، وعند تفاعلها مع الحديد، يتم أكسدته، مما يؤدي إلى تفاعل كيميائي مع مادة الدوبامين، ويسبب هذا التفاعل في تجمع البروتينات بشكل غير طبيعي، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى تكوين التكتلات البروتينية في الأمعاء.
ولا تقتصر هذه التكتلات البروتينية على الأمعاء فقط، بل يُعتقد أنها تنتقل إلى الدماغ، حيث تُشكل تكتلات مشابهة لتلك الموجودة في مرضى باركنسون، وقد تساهم هذه التفاعلات الكيميائية بين المواد المختلفة في الأمعاء في فهم كيف ينتقل المرض من الأمعاء إلى الدماغ، ويعد هذا التطور خطوة مهمة نحو فهم أفضل لآلية تطور مرض باركنسون.
البحث عن طرق جديدة للوقاية والعلاج
أشار الباحثون إلى أن هناك العديد من المواقع التي قد تكون مناسبة للتدخل من أجل وقف عملية تكوين التكتلات البروتينية.
وفي هذا السياق، تم اكتشاف أن مركب حمض الكافيين الموجود في القهوة قد يساعد في منع أكسدة الدوبامين، مما يحد من تكوين هذه التكتلات البروتينية في الأمعاء، ومع ذلك، يحتاج الباحثون إلى إجراء مزيد من التجارب لاختبار هذه الفرضية.
وأضافت إليزابيث بيس أن هذا الاكتشاف يعزز من فكرة أن هناك عدة طرق للتدخل، بدءًا من الحد من نمو البكتيريا المعوية إلى منع التفاعلات الكيميائية التي تؤدي إلى تكوين البروتينات المتكتلة، وإن فهم هذه العمليات قد يفتح أبوابًا جديدة لعلاج مرض باركنسون.
التحديات التي تواجه البحث حول ميكروبات الأمعاء
على الرغم من هذه الاكتشافات المثيرة، أكدت فيناتا فيدام ماي، الأستاذة المساعدة في جراحة الأعصاب بجامعة فلوريدا، أن نتائج البحث لا تزال أولية، حيث أن التجارب تمت في بيئة معملية فقط.
وأوضحت أنه لا يزال من غير الواضح كيف تؤثر العوامل الأخرى مثل مضادات الأكسدة الموجودة في النظام الغذائي أو النفايات الخلوية على هذه التفاعلات، ولذلك، تبقى هناك حاجة لمزيد من الدراسات السريرية لتحديد العوامل المتعددة التي قد تلعب دورًا في تطور مرض باركنسون.
كما أن التركيز على بكتيريا E. coli فقط دون أخذ بقية الميكروبات في الأمعاء بعين الاعتبار يشكل قيدًا على فهم التفاعلات الكاملة، ولذلك ينبغي أن تركز الأبحاث المستقبلية على دراسة تفاعل هذه البكتيريا مع الميكروبات الأخرى في الأمعاء للحصول على صورة أوضح.
المصدر: