بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا ظهر استغلال الرياضة للترويج للسياسة، فمثلًا معظم دوريات كرة القدم العالمية، رفعت شعار “أوقفوا الحرب”، كما قام الاتحاد الأوروبي بفرض العديد من العقوبات الرياضية على روسيا بسبب غزو أوكرانيا، مثل استبعادها من البطولات الرسمية وعلى رأسها تصفيات كأس العالم قطر 2022، وسحب تنظيم المباراة النهائية لدوري أبطال أوروبا المقرر لها نهاية مايو القادم من ملعب مدينة “سان بطرسبرغ” الروسية.
استخدام الرياضة في السياسة ليس بالأمر الجديد، وحدث من قبل، حيث حاولت عدة أنظمة استخدام الرياضة لإثبات التفوق والترويج لأفكارها وأيديولوجيتها.
الرياضة في الحرب الباردة
غالبًا ما كانت توترات الحرب الباردة والمنافسات تدور في الساحة الرياضية، كما هو الحال مع التكنولوجيا واستكشاف الفضاء، كانت الرياضة مجالًا يمكن للقوى المتنافسة أن تثبت هيمنتها وأن تؤكد هيمنتها دون خوض حرب، لذلك كانت الرياضة في الحرب الباردة غالبًا مسيسة إلى حد كبير.
أصبحت الألعاب الأولمبية إحدى الساحات البارزة، إذ حاول النظام النازي في عام 1936، استغلال الألعاب الأولمبية لتحقيق مكاسب سياسية وأيديولوجية، كما تحولت أيضًا الألعاب الأولمبية إلى مسرح للاحتجاجات السياسية، مثل المقاطعات المثيرة للجدل في أوائل الثمانينيات.
السوفييت والأولمبياد
لم ينافس الاتحاد السوفياتي في الألعاب الأولمبية الصيفية بين الحربين العالميتين، الأولى والثانية، إذ تمت دعوة الاتحاد السوفيتي لحضور أولمبياد لندن عام 1948 لكنه رفض، لأن “جوزيف ستالين”، كان قلقًا من أن الرياضيين السوفييت لم يكونوا على قدر المستوى العالمي، وبعدها أطلقت موسكو جهدًا مكثفًا للتحضير لأولمبياد 1952 في هلسنكي، فنلندا وبالفعل أرسل الاتحاد السوفيتي ما يقرب من 300 رياضي إلى هلسنكي وفاز بـ 71 ميدالية، 22 منهم ذهبية.
أتى تركيز “موسكو” المستمر على الرياضة ثماره في عام 1956، إذ سيطر الفريق السوفيتي على دورة الألعاب الأولمبية الشتوية لعام 1956 في إيطاليا، وحصل على 16 ميدالية، كما تصدر لاعبوا السوفييت دورة الألعاب الأولمبية الصيفية في ملبورن، أستراليا، وفازوا بـ 98 ميدالية (37 ذهبية)، وكان هذا أكبر عدد من الميداليات تفوز بها دولة واحدة على الإطلاق في الأولمبياد، متفوقين على الولايات المتحدة التي حصدت 74 ميدالية (32 ذهبية)، وفور عودة البعثة السوفيتية تم استقبل اللاعبين كأبطال وحصلوا على وسام “لينين” المرموق.
الاستثمار في الرياضة من اجل السياسة
واصلت موسكو الاستثمار بكثافة لضمان النجاح الأولمبي، إذ حصل الرياضيون الذين فازوا بميداليات أولمبية أو حطموا الأرقام القياسية الوطنية أو العالمية على وعود بمكافآت نقدية أو عينية، وتلقت المرافق الرياضية والأكاديميات وبرامج التدريب قدراً كبيراً من التمويل الحكومي بين عامي 1960 و1980، واستثمرت الحكومة السوفيتية بشكل كبير في البنية التحتية الرياضية، وضاعفت عدد الملاعب وأحواض السباحة، وبنت ما يقرب من 60 ألف صالة ألعاب رياضية جديدة.
احتُفِل بالرياضيين الناجحين في الصحافة والدعاية الحكومية، كما جرى تشجيع المواطنين العاديين على المشاركة في الألعاب الرياضية، وأصبحت البرامج الرياضية إلزامية في المدارس السوفيتية.
خلال الحرب الباردة، انضم الاتحاد السوفيتي إلى العديد من الاتحادات الرياضية الدولية، وأصبح بارعًا في العديد من الرياضات، حتى ذات التاريخ المحدود في روسيا، مثل كرة السلة والكرة الطائرة وكرة القدم.
[two-column]
انسحب فريق كرة الماء المجري من مواجهة فريق الاتحاد السوفيتي في نصف النهائي بأولمبياد ملبورن عام 1956، في مباراة أطلق عليها “الدماء في الماء”
[/two-column]
شرق ألمانيا
قامت دول شيوعية أخرى باستثمارات مماثلة في الرياضة، إذ ركزت ألمانيا الشرقية (DDR) بشكل كبير على البراعة الرياضية، مدفوعة بشكل رئيسي بتنافسها الشديد مع ألمانيا الغربية.
لم يشارك أي من الألمان في دورة الألعاب الأولمبية لعام 1948، وقاطعت ألمانيا الشرقية ألعاب 1952، بعد أن أصرت اللجنة الأولمبية الدولية (IOC) على فريق ألماني موحد، وأرسلت ألمانيا الشرقية فريقها الأولمبي لأول مرة في عام 1968، عندما احتل رياضيوها المركز الخامس في مجموع الميداليات، وفازوا بـ 25 ميدالية (تسع ذهبيات).
كانت دورة الألعاب الأولمبية عام 1972، التي أقيمت في ميونيخ، بمثابة انتصار لألمانيا الشرقية، حيث نافس فريقها في 18 رياضة وحصل على المركز الثالث في حصيلة الميداليات (40 ميدالية – 13 ذهبية) بفارق 26 ميدالية عن الدولة المضيفة ألمانيا الغربية.
على الرغم من قلة عدد سكانها نسبيًا، والبالغ 16 مليون نسمة، أصبحت ألمانيا الشرقية واحدة من أكثر الدول الرياضية نجاحًا في السبعينيات والثمانينيات، خاصة في ألعاب القوى والسباحة والتجديف والجمباز، إذ حل فريق ألمانيا الشرقية ثانيًا من حيث عدد الميداليات، خلف الاتحاد السوفيتي، في أولمبياد 1976 و 1980 و 1988.
والجدير بالذكر أن الاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية، رفضا المشاركة في دورة ألعاب لوس أنجلوس عام 1984، بسبب الخلافات السياسية.
الدماء في الماء
كانت أولمبياد ملبورن (1956) أحد الأمثلة على التوترات السياسية التي امتدت إلى الساحة الرياضية، فقبل أسبوعين من حفل الافتتاح، غزت القوات السوفيتية المجر، وأطاحت بحكومة “إمري ناجي” الإصلاحية، وقتلت أكثر من 2000 متظاهر مجري، بعد ذلك، انسحب فريق كرة الماء المجري من مواجهة فريق الاتحاد السوفيتي في نصف النهائي، في مباراة أطلق عليها “الدماء في الماء”، إذ شهدت تبادل الفريقين للإهانات والركلات واللكمات، وتعرض اللاعب المجري، “إرفين زادور”، لضربات في رأسه من قبل خصمه السوفيتي؛ ليترك حمام السباحة بسبب جرح كبير في العين وتُلغى المباراة.
الجدل حول كرة السلة عام 1972
اشتباك أولمبي ملحوظ آخر بين فرق كرة السلة للرجال من الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي في أولمبياد ميونيخ عام 1972، فكان لدى كلا البلدين فرق قوية ذات سجلات طويلة من النجاح.
اختيرت الفرق الأمريكية والسوفيتية في مجموعات مختلفة في ميونيخ، ثم تأهل كلاهما إلى المباراة النهائية بسهولة، حيث هزم السوفييت كوبا وهزمت أمريكا إيطاليا في نصف النهائي، وحظيت مباراة الميدالية الذهبية باهتمام إعلامي كبير، نظرًا لقوة الفريقين رياضيًا والتنافس سياسيًا.
تقدم السوفييت في معظم المباراة، ولكن بحلول الثواني الأخيرة، قاتل الأمريكيون في المقدمة بفارق نقطة واحدة، وسمحت الأخطاء والارتباك بين ضابط الوقت والحكام للسوفييت بربح المباراة.
تسبب الانتصار السوفيتي 51-50 في ضجة في المعسكر الأمريكي، الذي ادعى أن السلة الأخيرة كانت غير شرعية، وقدم المسؤولون الأمريكيون احتجاجًا تم رفضه، ثم قدموا استئنافًا إلى اللجنة الأولمبية الدولية، ورفض اللاعبون الأمريكيون قبول الميدالية الفضية، وهو الموقف الذي يحافظون عليه منذ ذلك الحين.
احتجاجات سياسية
تحولت الألعاب الأولمبية في كثير من الأحيان إلى منصة للمظالم السياسية، ففي ألعاب 1968 في مكسيكو سيتي، أدارت التشيكوسلوفاكية “فيرا كاسلافسكا”، بطلة العالم في الجمباز، رأسها بعيدًا أثناء عزف النشيد السوفيتي، حيث كانت من أشد الرافضين للنظام السوفيتي في ذلك الوقت.
لم تعترف اللجنة الأولمبية الدولية بالصين الشيوعية، لذلك لم تنافس في الألعاب الأولمبية الصيفية بين عامي 1956 و1980، وقاطع فريق جمهورية الصين (تايوان) دورة الألعاب الأولمبية لعام 1976، بعد أن رفضت الدولة المضيفة كندا الاعتراف بسيادتها.
وجاءت أكبر المقاطعات الأولمبية في الثمانينيات، ففي عام 1980، رفضت الولايات المتحدة وعدة دول أخرى حضور أولمبياد موسكو، احتجاجًا على الغزو السوفيتي لأفغانستان، وبدلاً من ذلك، استضافت الولايات المتحدة الألعاب الأولمبية البديلة “ليبرتي بيل كلاسيك”، التي حضرها رياضيون من 29 دولة.
ورد الاتحاد السوفيتي و14 دولة من الكتلة السوفيتية بمقاطعة ألعاب 1984 في لوس أنجلوس، ونظم الاتحاد السوفيتي كرنفالًا بديلًا، أطلق عليه اسم “ألعاب الصداقة”.
العقوبات الرياضية المفروضة على روسيا بسبب غزو أوكرانيا
كيف ستؤثر قمة المناخ على الرياضة؟
إنفوجرافيك | أبرز الأحداث التي صدمت جماهير الرياضة خلال 2021