شهدت عملة البيتكوين قفزة تاريخية تجاوزت بها حاجز 123,000 دولار، قبل أن تتراجع إلى مستوى 116,000 دولار يوم الثلاثاء، وعلى الرغم من هذا التراجع، لا تزال البيتكوين تتداول عند مستوى يزيد بنحو الضعف مقارنة بما كانت عليه قبل عام، ما يعكس الطلب المتنامي عليها من قبل المؤسسات والمستثمرين الكبار، لا سيما في ظل التغيرات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
بعكس موجات الصعود السابقة التي قادها مستثمرون أفراد، فإن الارتفاع الحالي في قيمة البيتكوين يُعزى إلى ما يُعرف بـ”الطلب الهيكلي”، وتحول التوجهات الكلية للاقتصاد، فضلًا عن دخول لاعبين كبار من وول ستريت بشكل مباشر.
وقد استقطبت صناديق الاستثمار المتداولة (ETFs) للبيتكوين نحو 2.7 مليار دولار خلال الأسبوع الماضي، بينها 1.3 مليار دولار في يوم واحد فقط، ويُعد هذا ثاني أكبر تدفق مالي يومي في تاريخ العملة.
ويعد أبرز هذه الصناديق هو “iShares Bitcoin Trust” التابع لشركة بلاك روك، والذي تجاوزت أصوله حاجز 90 مليار دولار، ليصبح ضمن أكبر 20 صندوقًا في السوق الأميركي.
أرقام الاستثمار في البيتكوين تتحدث عن نفسها، فقد أصبحت صناديق البيتكوين المدرجة في الولايات المتحدة تُدير أكثر من 153 مليار دولار، وهو رقم كان معدومًا تقريبًا قبل عام ونصف فقط، ويبرز هذا النمو السريع التحول الكبير في نظرة المستثمرين إلى البيتكوين كأصل استراتيجي وليس مجرد مضاربة رقمية.
ووفقًا لتقارير Bitwise، ارتفعت حيازات الشركات العامة من البيتكوين بنسبة 23% خلال الربع الأخير لتصل إلى 91 مليار دولار، ما يشير إلى تبني متزايد من قِبل المؤسسات، من ضمنها صناديق الثروة السيادية ومستشارو الاستثمار.
تحذو شركات مثل GameStop، وشركات إعلامية مرتبطة بالرئيس دونالد ترامب، حذو مايكل سايلور، مؤسس MicroStrategy، في معاملة البيتكوين كاحتياطي استراتيجي، إذ تخطط شركة ترامب لشراء ما قيمته 2.5 مليار دولار من العملة الرقمية، ما يُبرز الثقة المتزايدة بها كأصل احتياطي.
من ناحية أخرى، تشهد السوق موجة من عمليات الاندماج العكسي (Reverse Mergers) التي تدعمها مؤسسات كبرى مثل سوفت بنك، لتحويل شركات خاملة إلى شركات قابضة للبيتكوين، وتخطط بروكاب، الوافد الجديد للسوق، لاستثمار مليار دولار من البيتكوين بعد جمع 750 مليون دولار استعدادًا للطرح العام.
لم يكن الدعم المؤسسي وحده كافيًا لصعود البيتكوين، بل أسهمت أيضًا العوامل الفنية، فقد أدى انتهاء صلاحية خيارات شهر يونيو إلى تقليص مراكز البيع على المكشوف، ما أجبر المتداولين على تغطية مراكزهم، ودفع الأسعار إلى الأعلى.
كما وصلت العقود الآجلة المفتوحة للعملة إلى مستوى قياسي بلغ 88 مليار دولار، ما يعكس ثقة متزايدة من المؤسسات المالية.
بعد انفصال مؤقت في الأداء، عادت البيتكوين إلى الارتباط مجددًا مع مؤشر ناسداك، الذي سجل مستوى قياسيًا جديدًا، هذا التزامن بين الأصول الرقمية وأسهم التكنولوجيا رفع معنويات المستثمرين تجاه العملات المشفرة، خاصة الإيثريوم والسولانا وXRP.
من العوامل الحاسمة وراء التهافت على البيتكوين، ما يُعرف بـ”أسبوع العملات الرقمية” في الكونغرس الأميركي، حيث يناقش مجلس النواب ثلاثة مشاريع قوانين مهمة تهدف إلى تنظيم السوق، بما في ذلك تحديد الجهة الرقابية المختصة بين هيئة الأوراق المالية (SEC) وهيئة تداول السلع الآجلة (CFTC).
وعلى الرغم من أن التشريعات لا تستهدف البيتكوين بشكل مباشر، فإن الرسالة واضحة: واشنطن بدأت تأخذ العملات الرقمية بجدية، ما يوفر بيئة قانونية أكثر وضوحًا للمؤسسات والبنوك وشركات الوساطة.
من أبرز القوانين المنتظرة هو مشروع قانون “كلاريتي”، الذي يسعى لمنح هيئة تداول السلع الآجلة صلاحيات الرقابة على الأصول الرقمية، وعلى رأسها البيتكوين.
هذا القانون من شأنه أن يُزيل الحواجز القانونية أمام البنوك ومنصات التداول، ويُمهد الطريق أمام تجربة التمويل اللامركزي دون الخضوع المباشر لقواعد تسجيل البورصات.
الاهتمام الحالي بـ البيتكوين ليس نتاج موجة مؤقتة، بل نتيجة تحولات هيكلية في السوق، وتشريعات داعمة، وثقة متزايدة من المؤسسات المالية الكبرى، وبينما تتوسع القاعدة الاستثمارية وتتضح البيئة التنظيمية، يبدو أن البيتكوين تدخل مرحلة جديدة من النضج كأصل مالي راسخ.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
الأسباب وراء الإقبال المتزايد على صناديق الذهب
إنفوجرافيك| “تداول” ضمن الأفضل.. من تصدر مشهد الاكتتابات الأولية في 2025؟
أوروبا أمام اختبار اقتصادي في ظل تهديدات ترامب بالرسوم الجمركية