مع اقتراب الموعد النهائي الجديد الذي حدده الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يترقب العالم بقلق ما إذا كان سيمضي قدمًا في خطته التصعيدية لإجبار روسيا على إنهاء الحرب في أوكرانيا. وتتمثل الخطة في فرض حزمة عقوبات غير مسبوقة تستهدف الدول التي تشتري النفط الروسي. لكن بينما تهدف هذه الاستراتيجية إلى خنق الاقتصاد الروسي، يحذر محللون من أن هذا السلاح الجديد قد يكون “ذو حدين”، وأن التعريفات الجمركية التي يلوح بها ترامب قد ترتد لتلحق ضررًا ماديًا بالاقتصاد الأمريكي نفسه.
تستهدف خطة ترامب بشكل أساسي أكبر مشترين للنفط الروسي، وهما الصين والهند. هاتان الدولتان ليستا فقط منقذًا لاقتصاد روسيا في زمن الحرب، بل هما أيضًا من أكبر الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، حيث استوردت أمريكا منهما سلعًا بقيمة إجمالية بلغت 526 مليار دولار العام الماضي.
وهنا تكمن المشكلة الأولى؛ ففرض تعريفات جمركية عقابية، والتي هدد ترامب بأن تصل إلى 100%، على هذه الواردات الضخمة يعني حتمًا ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية في الأسواق الأمريكية. وكما يوضح المحلل جيوفاني ستونوفو، فإن فرض رسوم إضافية على السلع الصينية “سيزعج المستهلك الأمريكي”، الذي سيجد نفسه يدفع ثمنًا أعلى لمنتجات مثل أجهزة “آيفون”. ويضيف الخبير كلايتون سيجل أن هذه السياسة “ستؤدي إلى المزيد من التضخم” في الولايات المتحدة وستثقل كاهل الشركات الأمريكية بتكاليف استيراد باهظة.
ولا يقتصر الخطر على أسعار السلع، بل يمتد إلى سوق الطاقة العالمية. فبحسب المحللين، فإن روسيا “أكبر من أن تفشل” في سوق النفط. إذ تصدر موسكو حوالي 7 ملايين برميل يوميًا من النفط الخام والمنتجات المكررة، وهي كمية هائلة تمثل ما يقرب من 5% من الاستهلاك العالمي، ولا يمكن تعويضها بسهولة.
وبالتالي، فإن أي محاولة لخنق هذه الصادرات عبر التعريفات الجمركية الثانوية ستؤدي حتمًا إلى نقص في المعروض العالمي، مما سيتسبب في ارتفاع حاد في أسعار النفط. وبما أن الولايات المتحدة، رغم إنتاجها الضخم، لا تزال مستوردًا كبيرًا للنفط الخام، فإن هذا الارتفاع في الأسعار العالمية سينعكس مباشرة على أسعار الوقود والمستهلكين داخل أمريكا، مما يضر بالسياسة التي يتبعها ترامب.
يثير حجم الضرر المحتمل على الاقتصاد الأمريكي شكوكًا جدية حول مصداقية تهديد ترامب بفرض تعريفات جمركية بنسبة 100%. ويرى خبراء أن هذا الرقم المبالغ فيه قد يُنظر إليه على أنه “مجرد خدعة”، لأن ترامب لن يكون قادرًا على تحمل تداعياته الاقتصادية والسياسية في الداخل. ولهذا السبب، قد لا تأخذ الصين التهديد على محمل الجد، خاصة وأنها شهدت سيناريو مماثلاً في وقت سابق من هذا العام عندما فرض ترامب رسومًا باهظة ثم تراجع عنها.
ويعتقد بعض المحللين أن فرض تعريفات جمركية أكثر اعتدالًا، تتراوح بين 10% و30%، قد يكون خيارًا أكثر واقعية ومصداقية، وقد يدفع بالفعل بعض الدول إلى تنويع مصادرها من الطاقة بعيدًا عن روسيا. وبينما يتجه المبعوث الأمريكي إلى موسكو في محاولة دبلوماسية أخيرة، يظل العالم في حالة ترقب. فخطة ترامب لمعاقبة مشتري نفط روسيا تمثل مقامرة عالية المخاطر، قد تؤدي في النهاية إلى إلحاق ضرر بالاقتصاد الأمريكي لا يقل عن الضرر الذي تهدف إلى إيقاعه بخصومها.
اقرأ أيضًا:
كيف تتأثر أسواق النفط باستهداف البنية التحتية للطاقة في إيران؟