فريضة الحج من أركان الإسلام الخمسة، ومرت هذه الفريضة الشاقة بالعديد من المراحل على مر الزمن، وتعددت طرق ذهاب المسلمين إلى المشاعر المقدسة في مكة المكرمة، باختلاف العصور، وباختلاف وسائل النقل.
كانت رحلة الحج قديمًا رحلة صعبة تستغرق الكثير من الوقت، وكانت رحلة مليئة بالمخاطر التي تحيط بحركة القوافل التي تحمل حجاج بيت الله.
الدرعية تعتبر من أهم المحطات التاريخية لحجاج بيت الله الحرام، فمنذ إنشائها عام 850هـ/ 1446م، تتميز بموقعها الاستراتيجي، بالإضافة إلى وفرة الغذاء والماء فيها، كما كانت آمنة تمامًا ومستقرة بسبب وجود سلطة سياسية قوية فيها كانت تساهم بشكل فعال في تأمين الطرق لقوافل الحج، وهذا ما وثقته إحدى الوثائق التاريخية التي تبرز الدور الذي كان يلعبه الأمير إبراهيم بن موسى بن ربيعة بن مانع المريدي، أمير منطقة الدرعية في تأمين وصول الحجيج إلى مكة المكرمة بأمن وسلام.
في تلك الفترة كان هناك عدة طرق تسلكها قوافل الحجيج، وكلها كانت تنطلق من الدرعية، كمحطة رئيسية لها.
الطريق الأول
طريق “أبا القد”، يعرف في هذا العصر بطريق “القدية”، وهو واحد من أقدم طرق الحج، وكانت القوافل تتجمع في مجلس الدرعية في حي سمحان، على أن ينطلقوا من عقبة “النصرية” إلى “عرقة”، تليها نزلة “القدية” ذات الوعورة الشديدة، وكانت الجمال في ذلك الوقت تُربط من الخلف لتجنب خطر سقوطها، ولمساعدتها في عملية النزول، كما كان يتم ربطها من رقابها صعودًا، وكانت القوافل تواصل رحلتها باتجاه “قصور المقبل” و”المزاحمية”.
الطريق الثاني
“سبع الملاف”، وهو الطريق الذي جرى تطويره فيما بعد وتحديدًا في عهد الملك عبدالعزيز بن الرحمن الفيصل آل سعود، وكانت القوافل التي تسلك هذا الطريق تنطلق من الدرعية مرورًا بوادي حنيفة باتجاه “الجبيلة” شمالًا، ثم “العُيينة” مرورًا بـ”شعيب الحيسية”، ليبدأ بعدها طريق “السبع ملاف”، وسمي بهذا الاسم نظرًا لوعورته، بجانب وجود 7 منحنيات على امتداده، وصولًا إلى “مرات” إحدى المحطات الرئيسة لتوافد الحجيج القادمين من شرق المملكة.
الطريق الثالث
“ديراب”، كانت القوافل الراغبة في أخذ هذا الطريق تنطلق من “الدرعية” من ثم إلى طلعة “النصرة” مرورًا بـ”عرقة”، ثم “شعيب نمار”، ثم “ديراب”، فطريق “الغزيز”، ثم يمرّ بمحاذاة “ضرما” وصولًا إلى “القويعية”، وقد يسلك الحجاج طريقًا آخر باتجاه “الدوادمي”.
الدرعية منبع القوة
استقرار مانع المريدي “الدرعية”، قادمًا من شرق الجزيرة العربية، واتفاقه مع أبناء عمومته، ويتقدمهم ابن درع على إعادة أمجاد آبائهم الذين استقروا في المنطقة، كان بمثابة أفضل تمهيد لوضع اللبنة الأولى لقيام أعظم دولة في تاريخ الجزيرة العربية بعد حقبة الخلافة الراشدة.
في عام 1139هـ/ 1727م، أسس الإمام محمد بن سعود الدولة السعودية، وكثف جهوده لفرض الاستقرار، حيث كانت هناك الكثير من الخلافات بين البلدات بجانب انتشار الأمراض والأوبئة، وبالتزامن مع كل ذلك نجح في المحافظة على تأمين طرق قوافل الحجاج والتجارة، وأصبحت “الدرعية” في عهده مستقلة بقوتها ونفوذها عن أي قوى إقليمية.
أما في عهد الإمام عبدالعزيز بن محمد بن سعود، اتسعت رقعة الدولة السعودية، وزادت بضمه لعدة نواح، وهو ما ساهم في زيادة الإيرادات والمداخيل، التي بدورها انعكست على خدمة الحجيج وتأمين طرق القوافل.
أما في عهد سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود، ثالث أئمة الدولة السعودية، والذي تولى الحكم عام 1218هـ/1803م، تحققت واحدة من أهم النجاحات في تاريخ السعودية، بتوحيد الحجاز، حيث الجيوش السعودية إلى مكة المكرمة وأصبح خادمًا للحرمين الشريفين بعد إنهاء نفوذ القوات العثمانية الغازية.
وكان الإمام سعود يداوم على أداء مناسك الحج سنويًا طوال فترة حكمه، كما لقب بـ” سعود الكبير” نسبة لدوره في اتساع رقعة السعودية حيث امتدت من أطراف الفرات والشام شمالًا حتى صنعاء ومسقط جنوبًا، ومن ساحل الخليج العربي شرقًا حتى البحر الأحمر غربًا.
وبذلك تكون “الدرعية” قد لعبت دورًا تاريخيًا يمتد لمئات السنين، في استقبال الحجاج وخدمتهم وتأمينهم.
الدرعية.. عاصمة الدولة السعودية الأولى