يونيو ٢٧, ٢٠٢٥
تابعنا
نبض
logo alelm
كيف جعلت الصين السيارات الكهربائية شائعة الاستخدام؟

في الوقت الذي لا تزال فيه السيارات الكهربائية تُصنَّف في العديد من الدول على أنها رفاهية للنخبة، أصبحت في الصين واقعًا يوميًا واقتصاديًا ضروريًا للطبقة العاملة، في بلد يتجاوز عدد سكانه 1.4 مليار نسمة، لم تعد المركبة الكهربائية خيارًا بيئيًا فحسب، بل أصبحت أداة عملية للتوفير، وأحد رموز التقدّم الصناعي المدعوم برؤية استراتيجية بعيدة المدى.

هذا التحول لم يكن وليد الصدفة، بل جاء نتيجة خطة محكمة بدأت منذ عقود، عززتها الدولة الصينية باستثمارات ضخمة وتعبئة اقتصادية هائلة، جعلت من الصين القوة الأولى عالميًا في سوق السيارات الكهربائية، وغيّرت ملامح الصناعة ومستقبلها.

يقول سائق الأجرة لو يونفنغ، في أثناء وقوفه في محطة شحن على أطراف مدينة قوانغتشو، جنوب الصين: “أقود سيارة كهربائية لأنني فقير”، بحسب ما نقلته “بي بي سي”.

يقف بجواره سون جينغقوه ويوافقه الرأي: “قيادة سيارة تعمل بالبنزين مكلفة للغاية. أنا أوفر الكثير باستخدام السيارة الكهربائية.. كما أنها تحمي البيئة”.

في العديد من الدول، لا تزال المركبات الكهربائية تُعد سلعة فاخرة، لكن في الصين، حيث شكّلت السيارات الكهربائية نحو نصف مبيعات السيارات الجديدة العام الماضي — أصبح الأمر واقعًا يوميًا وعاديًا.

الصين تتصدر المشهد

في مطلع القرن، وضعت القيادة الصينية خطة طموحة للهيمنة على تكنولوجيا المستقبل. وبعد أن كانت تُعرف يومًا ما بـ”أمة الدراجات”، أصبحت الصين اليوم رائدة العالم في السيارات الكهربائية.

في مدينة قوانغتشو، التي يزيد عدد سكانها عن 18 مليون نسمة، خفَتَ ضجيج ساعات الذروة ليصبح مجرد طنين هادئ.

يقول مايكل دن، المحلل في قطاع السيارات: “عندما يتعلق الأمر بالمركبات الكهربائية، فإن الصين تتفوق بعشر سنوات وتتجاوز باقي الدول بعشر مرّات”.

شركة BYD الصينية أصبحت الآن في صدارة السوق العالمي، بعد أن تجاوزت شركة تسلا الأمريكية أوائل هذا العام، واستفادت من السوق المحلي الضخم الذي يفوق 1.4 مليار نسمة، وهي الآن تتوسع في بيع سياراتها بالخارج، مثلها مثل عدد متزايد من الشركات الناشئة الصينية التي تنتج سيارات كهربائية بأسعار في متناول الجميع.

خطة السيطرة

يشير المحللون إلى وان غانغ، المهندس المدرب في ألمانيا والذي شغل منصب وزير العلوم والتجارة في الصين عام 2007، كأحد أبرز مهندسي ريادة الصين في هذا المجال.

يقول مايكل دن: “نظر وان غانغ حوله وقال: هناك خبر جيد، نحن الآن أكبر سوق سيارات في العالم. والخبر السيء: كل ما أراه في الشوارع من علامات تجارية أجنبية”.

في ذلك الوقت، لم تكن الشركات الصينية قادرة على منافسة نظيراتها الأوروبية أو الأمريكية أو اليابانية من حيث الجودة أو السمعة. لكن الصين امتلكت الموارد والعمالة الماهرة وسلسلة توريد صناعية متكاملة. ومن هنا جاءت الفكرة: تغيير قواعد اللعبة عبر التحوّل إلى المركبات الكهربائية.

ورغم أن الحكومة الصينية أدرجت المركبات الكهربائية ضمن خططها الاقتصادية منذ عام 2001، إلا أن الدعم المالي الكبير لم يظهر إلا في العقد التالي. وبتوجيه مركزي قوي، استطاعت الصين تعبئة موارد هائلة، واستثمرت نحو 231 مليار دولار بين عامي 2009 و2023 لتطوير هذا القطاع، بحسب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS).

الدعم شمل كل مكونات النظام: من المستهلكين إلى شركات السيارات وموردي البطاريات ومزودي الكهرباء. ساعد ذلك شركات مثل BYD على التحوّل من إنتاج بطاريات الهواتف الذكية إلى تصنيع السيارات الكهربائية، وظهر عملاق البطاريات CATL، الذي تأسس عام 2011 ويُعد اليوم أكبر منتج لبطاريات المركبات الكهربائية في العالم.

الدولة تُمهد الطريق

بفضل هذا الدعم طويل الأمد، أصبحت الصين تسيطر على سلاسل الإمداد الحيوية في صناعة البطاريات، وبنت أكبر شبكة عامة لشحن السيارات الكهربائية في العالم، متمركزة في المدن الكبرى، ما يجعل الوصول إلى الشاحن لا يستغرق سوى دقائق.

يقول مايكل دن: “إذا أردت تصنيع بطارية لسيارة كهربائية اليوم، فإن كل الطرق تؤدي إلى الصين”.

بعضهم يسمي هذا “رأسمالية الدولة”، بينما تصفه الدول الغربية بأنه ممارسة تجارية غير عادلة. لكن الشركات الصينية تنفي وجود تمييز وتؤكد أن الفرص متاحة للجميع.

يقول بريان غو، رئيس شركة XPeng، إحدى الشركات الصينية الرائدة في هذا المجال: “الحكومة الصينية تقدم الدعم تمامًا كما تفعل أوروبا وأمريكا، لكنها تقوم بذلك بطريقة أكثر اتساقًا وفعالية، وهو ما خلق بيئة تنافسية فريدة”.

وتُصنف الشركة التي لم تكمل عقدًا من عمرها ضمن أكبر 10 شركات سيارات كهربائية عالميًا، ويقع مقرها في مدينة قوانغتشو، حيث يعمل شباب خريجون في أجواء غير رسمية، وسط مقهى صغير، وبث مباشر لبيع السيارات عبر الإنترنت، وزحليقة ملونة تنقل الموظفين من الطابق العلوي إلى الأرضي.

لكن الأجواء المرحة لا تلغي التحديات. فبحسب غو، “الضغط لتقديم سيارات أفضل بأسعار أقل هائل”.

خلال اختبار قيادة سيارة Mona Max الجديدة، التي تُباع بنحو 20 ألف دولار، وتتضمن قدرات قيادة ذاتية، وتفعيل بالصوت، وأسرّة قابلة للتمدد، وخدمات بث للموسيقى والأفلام، وهي ميزات تعتبرها الأجيال الشابة في الصين “أساسية” لسيارتهم الأولى.

دعم حكومي ومستقبل كهربائي

الدعم الحكومي لا يقتصر على الإنتاج، بل يشمل المستهلك أيضًا: إعفاءات ضريبية، ومحطات شحن بأسعار مدعومة، ومكافآت لاستبدال السيارات التقليدية بأخرى كهربائية.

يقول لو، السائق في قوانغتشو، إنه كان ينفق 200 يوان لقطع 400 كم بسيارته البنزين، أما الآن، فالتكلفة لا تتجاوز ربع ذلك. كما حصل على لوحة تسجيل خضراء مجانًا، بينما يدفع الآخرون آلاف اليوانات لقاء لوحات تقليدية.

“الأغنياء يقودون سيارات البنزين لأنهم يملكون المال، أما السيارة الكهربائية فهي الخيار المنطقي لي”، يقول لو.

أما دايزي، وهي مالكة سيارة كهربائية في شنغهاي، فتختار خيارًا مختلفًا: لا تشحن سيارتها، بل تستبدل البطارية بأخرى مشحونة خلال ثلاث دقائق فقط في إحدى محطات التبديل الأوتوماتيكية التابعة لشركة Nio، تقنية متقدمة وبتكلفة أقل من تعبئة خزان وقود.

طريق الصين إلى العالم

النجاح الصيني يثير القلق في الغرب، لا سيما مع الدعم الحكومي الكبير. فرضت الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي ضرائب مرتفعة على واردات السيارات الكهربائية الصينية، لكن المملكة المتحدة لم تتخذ هذا المسار بعد، ما يجعلها سوقًا جذابًا للشركات الصينية مثل XPeng وBYD.

الأمم المتحدة تعتبر التحوّل إلى المركبات الكهربائية خطوة “محورية” لتجنب كارثة مناخية، والعديد من الدول الغربية، مثل بريطانيا، تعهدت بحظر بيع السيارات العاملة بالبنزين والديزل بحلول عام 2030. ولا توجد دولة أكثر جاهزية من الصين لتحقيق هذا الهدف.

يقول مايكل دن: “الصينيون يفكرون في مستقبل يصنعون فيه كل سيارة في العالم. وهم يتساءلون: هل هناك من يستطيع منافستنا؟”.

لكن رغم الفوائد البيئية، لا تزال بعض الأصوات الغربية متوجسة. السير ريتشارد ديرلوف، الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات البريطاني MI6، وصف السيارات الصينية بأنها “حواسيب على عجلات” يمكن التحكم بها من بكين، وادعى أنها قد تُستخدم يومًا ما لشل حركة مدن بريطانية.

لكن ستيلّا لي، نائبة رئيس شركة BYD، ردت ساخرة في مقابلة مع بي بي سي: “أي أحد يخسر اللعبة يمكنه أن يقول أي شيء. ولكن، وماذا في ذلك؟ نحن نقدم أعلى معايير أمان البيانات، ونستخدم مزوّدين محليين، ونفعل ذلك أفضل عشر مرات من منافسينا”.

تبقى هذه المخاوف امتدادًا لجدل أوسع بشأن التكنولوجيا الصينية، من معدات هواوي للاتصالات، إلى تطبيق تيك توك المحظور على أجهزة الحكومة البريطانية.

لكن بالنسبة لسون جينغقوه في قوانغتشو، فالصورة واضحة وبسيطة: “أعتقد أن على العالم أن يشكر الصين على هذه التكنولوجيا”، يقول ضاحكًا، “وأنا بالتأكيد أفعل”.

شارك هذا المنشور:

السابقة المقالة

محسن الزهراني.. القصة الكاملة لوفاة طيار سعودي أثناء رحلة جوية

المقالة التالية

هل فعلاً يغنيك التفاح عن زيارة الطبيب؟.. العلم يجيب