أثار إسقاط بولندا لعدد من المسيرات الروسية فوق أراضيها ردود فعل واسعة، خصوصًا بعدما علّق الرئيس الأميركي دونالد ترامب على الحادثة بنبرة تتسم بالدهشة والتساؤل.
وكتب ترامب في منشور على منصته “تروث سوشيال”: “ما قصة انتهاك روسيا للمجال الجوي البولندي بمسيرات؟ ها نحن ذا!”، في إشارة إلى خطورة الحدث والتداعيات التي قد تترتب عليه.
الحادثة التي وقعت فجر الأربعاء شهدت دخول أكثر من 12 طائرة بدون طيار تابعة لروسيا المجال الجوي البولندي، ما دفع قوات حلف شمال الأطلسي إلى التدخل عبر طائرات مقاتلة والتي نجحت في إسقاط 3 منها على الأقل.
وتمثل هذه التطورات تصعيدًا جديدًا للحرب الدائرة في أوكرانيا، إذ انتقلت تداعياتها بشكل مباشر إلى أراضي دولة عضو في الناتو.
منذ أسابيع يحاول ترامب الدفع نحو إنهاء الصراع بين موسكو وكييف عبر قنوات سياسية ودبلوماسية، بما في ذلك لقاءاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلا أن حادثة المسيرات الروسية زادت من حدة التوتر، ما دفع ترامب للتلويح بفرض عقوبات جديدة على روسيا، وإن لم يحدد بعد طبيعة هذه الإجراءات.
الرئيس الأميركي أجرى اتصالًا هاتفيًا مع نظيره البولندي كارول ناوروكي أكد خلاله على “وحدة الحلفاء” واستعداد واشنطن لمساعدة بولندا في حماية مجالها الجوي، وأشار مسؤولون بولنديون إلى أن بلادهم تسعى إلى تسريع نشر أنظمة دفاعية متقدمة، من بينها بطاريات باتريوت أميركية وطائرات إف-35.
تسببت المسيرات الروسية في إطلاق صافرات الإنذار داخل بولندا وتحريك مشاورات عاجلة مع شركاء الناتو، وبحسب مصادر عسكرية، فقد اعترضت طائرات بولندية وهولندية المسيرات بدعم من القوات الإيطالية والألمانية وقوات الحلف متعددة الجنسيات.
وفعّلت بولندا المادة الرابعة من ميثاق الناتو، ما يستدعي اجتماعًا عاجلًا لتقييم التهديدات وتحديد الإجراءات المقبلة.
وأكد المسؤولون البولنديون أن الحادثة أبرزت الحاجة الماسة إلى تعزيز الدفاعات الجوية على الحدود الشرقية، مشيرين إلى أن الاتحاد الأوروبي يدرس فرض حزمة عقوبات جديدة على موسكو بالتنسيق مع الولايات المتحدة.
المناورة الروسية أثارت نقاشات واسعة داخل الناتو حول مدى جاهزية الحلف للتعامل مع اختراقات مماثلة، فبينما تؤكد الولايات المتحدة التزامها الكامل بالدفاع عن بولندا، يرى مراقبون أن الحادثة قد تمثل اختبارًا جدياً لمدى تماسك الحلف في مواجهة التصعيد الروسي.
زيارة الجنرال كيث كيلوج، المبعوث الخاص لترامب إلى أوكرانيا، التي تزامنت مع دخول المسيرات الروسية، اعتُبرت دليلاً إضافيًا على تعقيد الموقف، إذ كان من المقرر أن يتابع كيلوج رحلته إلى كييف بعد توقفه في وارسو، الأمر الذي منح الحادثة أبعادًا سياسية وأمنية إضافية.
أجرى رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك اتصالات عاجلة مع زعيمي فرنسا وبريطانيا، وحصل على وعود بدعم إضافي، لكن طبيعة هذا الدعم، سواء كان عسكريًا مباشرًا أو اقتصاديًا عبر تشديد العقوبات، ما زالت قيد النقاش.
وكان ترامب قد شدد خلال اجتماعات سابقة مع المسؤولين الأوروبيين على ضرورة رفع الرسوم الجمركية على مشتري الطاقة الروسية، خاصة الصين والهند، بنسبة تصل إلى 100% للضغط على موسكو.
منذ بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، اقتصرت المواجهات المباشرة على الأراضي الأوكرانية، لكن دخول المسيرات الروسية إلى أجواء بولندا، وإسقاطها عبر مقاتلات الناتو، يعد سابقة خطيرة قد تغيّر قواعد اللعبة، فالتوتر لم يعد يقتصر على أوكرانيا، بل امتد إلى دول حلف الأطلسي، وهو ما يرفع احتمالات اتساع رقعة الصراع.
ترامب، الذي طالما شدد على أنه لا يرغب في “حروب جديدة”، يجد نفسه أمام معضلة معقدة: بين التزامه بحماية حلفاء واشنطن من جهة، ورغبته في التوصل إلى تسوية مع موسكو من جهة أخرى.
الحادثة التي وصفتها مصادر عسكرية بأنها “أول عملية إطلاق نار للناتو منذ بداية الحرب” قد تشكل نقطة تحول حقيقية، فبينما يتساءل الرأي العام عن مدى خطورة المسيرات الروسية، تبدو الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أمام تحدٍ يتمثل في كيفية الرد على موسكو من دون الانجرار إلى مواجهة شاملة.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
هل حقًا تجاوز نتنياهو ترامب في قرار قصف الدوحة؟