«لماذا لا يكون هناك تغيير للنظام؟» بهذه العبارة القصيرة، فجّر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مساء أمس الأحد، تساؤلات مربكة حول هدفه الحقيقي من أعنف هجوم أمريكي على إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
فبعد أن أعلن أن الضربات التي استهدفت ثلاث منشآت نووية إيرانية كانت «دقيقة ومؤثرة بشكل هائل»، عاد ليطرح احتمالًا طالما شكل كابوسًا في السياسة الإيرانية: إسقاط النظام.
يبدو المشهد لأول وهلة كأن ترامب حقق نصرًا استراتيجيًا. قطعت قاذفات B-2 الشبحية آلاف الأميال من ولاية ميزوري الأمريكية، وأسقطت قنابل لم يُستخدم بعضها من قبل. لكن وسط ضجيج الاحتفالات الرسمية، برز سؤال جوهري: هل حقًا دمّر الهجوم البرنامج النووي الإيراني، أم أنه ترك الجمر مشتعلًا تحت الرماد؟
أظهر تقرير أولي أن إحدى المنشآت المستهدفة، مركز أصفهان النووي، لم تتعرض إلا لأضرار سطحية. كذلك ظلت منشآت التخصيب شديدة التحصين كما هي، والمخاوف تتصاعد من أن إيران قد تكون نقلت كميات من اليورانيوم المخصب إلى أماكن سرية قبل الغارات.
من جهته قال النائب الديمقراطي جيم هايمز إن «أي شخص يظن أن هذه الضربات كانت أكثر من مجرد ضجيج وتراب، لا يعرف عما يتحدث». فيما يشير الخبير جيفري لويس إلى أن «مخزون اليورانيوم بنسبة 60% ما زال في أنفاق لم تُمسّ».
ما فعله ترامب يُعيد إلى الأذهان محاولات سابقة لإجبار الخصوم على الركوع من خلال «الصدمة والرعب». لكنه أيضًا فتح أبوابًا على احتمالات لا تحمد عقباها، أولها رد الفعل الإيراني، الذي لا يزال في طور «القرار العسكري»، وفق تصريح المندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة، أمير سعيد إيرواني.
وحتى الآن، لم تُعرف طبيعة الرد الإيراني. لكن السيناريوهات تتراوح بين استهداف القواعد الأمريكية في الخليج، أو إغلاق مضيق هرمز، أو حتى شن هجمات غير تقليدية على المصالح الأمريكية في المنطقة أو الداخل الأمريكي.
كل خيار يحمل مخاطر، لكنه يحمل أيضًا إمكانية دفع ترامب، الذي تعهّد سابقًا بعدم الدخول في حروب جديدة، نحو مواجهة لا يمكن التحكم في مسارها.
«تغيير النظام» قد يبدو مطلبًا جذابًا لبعض الأصوات في واشنطن وتل أبيب، لكن تاريخه في الشرق الأوسط مرير. فكل مرة حاولت فيها واشنطن إعادة تشكيل المنطقة عبر القوة، انتهى الأمر بالفوضى.
النظام الإيراني، رغم هشاشته، ما زال متماسكًا. سقوطه المفاجئ قد لا يُنتج ديمقراطية ليبرالية على الطريقة الغربية، بل يفتح الباب أمام فوضى أمنية وقوى أكثر تطرفًا، خصوصًا أن إيران دولة بحجم يفوق العراق بمرتين، ونفوذها يمتد عبر شبكة من الوكلاء من لبنان إلى اليمن.
على الرغم من ذلك يواصل الرئيس ترامب التباهي بـ«النجاح». لكن جنرالاته، مثل الجنرال دان كاين، بدوا أكثر تحفظًا، مشيرين إلى أن تقييمات الأضرار ما زالت قيد التحليل.
في الأثناء، يشير محللون مثل ريتشارد هاس إلى أن الضربات قد تقنع إيران بضرورة الإسراع نحو القنبلة، وليس التخلي عنها، قائلاً: «ربما استنتج الإيرانيون أن ما حدث كان ليُمنع لو امتلكوا السلاح النووي».
هكذا، تتحول «ضربة استباقية» إلى محفز لتسريع البرنامج النووي. وهي مفارقة مأساوية تتكرر كثيرًا في السياسات الدولية.
داخليًا، انقسمت الولايات المتحدة كعادتها. أشاد الجمهوريون بشجاعة ترامب، بينما حذّر البعض من قاعدة مؤيديه من «التورط في مستنقع». فالرئيس، المعروف بنزعته السلطوية، أطلق هذه العملية من دون موافقة الكونجرس، ودون أن يقدم أدلة دامغة على أن إيران كانت على بعد «أسابيع» من القنبلة.
أمريكا الآن تقف أمام مفترق طرق. فإما أن تكتفي بالضربة وتنتظر الرد الإيراني، أو تواصل التصعيد في اتجاه قد لا يمكن الرجوع منه.
في نهاية المطاف، السؤال لم يعد: ماذا دُمّر في إيران؟ بل: ماذا تغيّر في قواعد اللعبة؟ فالمواجهة بين واشنطن وطهران دخلت طورًا جديدًا من الغموض، تغذّيه قرارات فردية وأوهام هيمنة، لا رؤية استراتيجية ناضجة. والآتي أعقد مما مضى.
اقرأ أيضًا:
وزير الدفاع الأمريكي: قضينا على طموحات إيران النووية