تتجه أنظار المسلمين بعد صلاة فجر غرة شهر محرم من كل عام إلى البيت الحرام؛ لمتابعة مراسم اكتساء الكعبة بحلتها الجديدة.
ولم تلقى كسوة الكعبة هذا الاهتمام منذ وقت قصير فقط، بل كان الأمر كذلك حتى قبل ظهور الإسلام، حيث كان هناك تسابق دائم على نيل هذا الشرف، فكيف كانت رحلتها على مر التاريخ؟
كسوة الكعبة قبل الإسلام
تشير الروايات التاريخية أن ملك اليمن المعروف باسم “تُبّع” مرّ بالكعبة في طريق عودته من فتح بعض المدائن في الجزيرة العربية فطاف بها، ثم رأى في المنام أنه يكسوها ويجعل لها بابًا ومفتاحًا، فأوصى بكسوتها، وينظر إليه المؤرخون كأول من فعل ذلك.
لاحقًا، أصبحت كسوة الكعبة من أفعال الوجاهة عند العرب، فيقول مؤرخون إن أبا ربيعة بن المغيرة المخزومي كان يكسوها عامًا وقريش كلها تكسوها عامًا آخر، قبل أن تنتقل هذه المهمة إلى قصي بن كلاب بعد أن تغلّب على خزاعة ودانت له مكة، وانتقلت إلى أبنائه وأحفاده من بني هاشم.
تغييرات عديدة على مر التاريخ الإسلامي
فتح المسلمون مكة في العام الهجري الثامن، وحينها أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكسوة الكعبة بالبرود، وهي أقمشة من اليمن، إعلانًا لخضوع المدينة لحكمه.
تولّى الخلفاء الراشدون كسوة الكعبة في عصر الفتوحات، ثم أصبح مركز الخلافة الرئيسي هو من يرسل الكسوة، ففي عهد الأمويين أُرسلت من دمشق، وفي عهد العباسيين أرسلت من بغداد.
كان شكل الكسوة مختلفًا، ثم بدأ الاعتماد على الثوب الأسود منذ عام 622 للهجرة في عصر الخليفة العباسي الناصر، وفي عام 1250 ميلادية سيطر المماليك على القاهرة والحجاز فظلت مصر مهد صناعة كسوة الكعبة، وانتقلت المهمة للعثمانيين عام 1299 بعد تغلبهم على المماليك.
كانت الكسوة في البداية أربع قطع توضع على أربعة جوانب دون أي إضافات، ثم مع حركة إصلاح الكتابة التي تولاها ابن مقلة وابن البواب أصبح هناك مدخل آخر لوضع آيات من القرآن الكريم في طراز الكعبة.
اعتاد الناس خلال هذه الفترة على مشاهدة احتفالات إرسال كسوة الكعبة، حيث تطوف في القاهرة والفسطاط قبل إرسالها للحجاز.
أثناء حكم محمد علي لمصر، وتحديدا عام 1925، اعترض حكام الجزيرة العربية على موكب المحمل وقالوا إنه “بدعة”.
وبعد عام، توقف المصريون عن إرسال الكسوة، فأمر الملك عبد العزيز بتأسيس دار لصناعة الكسوة.
عادت مصر بالاتفاق مع السعودية إلى إرسال الكسوة بعد 12 عامًا، إلى أن توقف ذلك نهائيا بعد حرب اليمن عام 1962.
إتقان سعودي
بدأت المملكة العربية السعودية رحلة الاهتمام بحياكة كسوة الكعبة المشرفة منذ عهد الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1927.
شهدت هذه الحقبة افتتاح دار متخصصة لصناعة الكسوة في مكة المكرمة، أنتجت أول كسوة سعودية للكعبة، وبعدها انتقل إلى “مصنع كسوة الكعبة” في عام 1977 في أم الجود، أحد أحياء مكة المكرمة.
تابع أبناء الملك عبدالعزيز باهتمام وعناية فائقة صناعة الكسوة وتطويرها حتى عصرنا هذا، وفي عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود، شُرعت أبواب التحديث والتجديد على الأنظمة الإلكترونية، والمعدات الميكانيكية، والأجهزة الكهربائية بمصنع كسوة الكعبة.
وفي عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، تغيّر الاسم ليصبح “مجمع الملك عبدالعزيز لكسوة الكعبة المشرفة”، وتشرف على المجمع الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي.
المصادر: