عندما هزت القنابل الأمريكية الخارقة للتحصينات المواقع النووية في إيران مؤخرًا، كانت هناك ” آن دوانغ” تتابع الأخبار من داخل منزلها في ضواحي ولاية ماريلاند تتابع ويغمرها شعور غريب من الألفة.
وتُعرف آن دوانغ بلقب ” سيدة القنبلة” وتعود قصتها إلى عقود مضت في فيتنام التي مزقتها الحرب، إذ خاضت رحلة استثنائية من طفلة لاجئة شاهدت أهوال الصراع إلى عالمة بارزة في قلب صناعة الأسلحة الأمريكية الأكثر تطورًا لعبت دورًا كبيرًا في الحرب بين إيران وأفغانستان.
بدأت رحلة آن دوانغ – 65 عامًا – في أواخر الستينيات في سايغون، فيتنام، عندما كانت طفلة في السابعة من عمرها تشاهد شقيقها، وهو طيار مروحية في جيش فيتنام الجنوبية، خلال مغادرته في مهمات قتالية. كان والدها مسؤولًا زراعيًا رفيع المستوى في الحكومة المناهضة للشيوعية، وكانت العائلة تعيش في قلب التوتر. وفي تلك اللحظات، وهي تودع شقيقها عند بوابة المنزل، قطعت الطفلة آن دوانغ وعدًا على نفسها.
وبحسب ما ذكرته صحيفة “نيويورك تايمز” تتذكر آن دوانغ تلك اللحظات قائلة: “تمنيت أن يكون لدي عصا سحرية، لأعطيه أفضل سلاح وأكثره تطورًا ليتمكن من الفوز والعودة سالمًا”. هذا المشهد المتكرر غرس فيها دافعًا عميقًا، حيث تعهدت بأنها لو تمكنت يومًا ما، فستفعل نفس الشيء للجنود الأمريكيين الذين كانوا يحمون عائلتها، وستمنحهم أفضل وسيلة للعودة إلى ديارهم سالمين.
في أبريل 1975، ومع اقتراب سقوط سايغون، تحقق كابوس العائلة. قام شقيقها وطيار آخر بإجلائها مع عائلتها الممتدة إلى سفينة تابعة للبحرية الفيتنامية الجنوبية، لتبدأ رحلة اللجوء المحفوفة بالمخاطر كجزء من “لاجئي القوارب”. كانت عائلتها من المحظوظين الذين نجوا، على عكس ما يصل إلى 250 ألفًا ممن لقوا حتفهم في البحر.
وصلت العائلة إلى الولايات المتحدة “كلاجئين فقراء معدمين”، واستقرت في ضواحي ماريلاند بفضل رعاية من الكنيسة المعمدانية الأولى في واشنطن. كانت آن دوانغ وقتها تبلغ من العمر 16 عامًا وتتحدث القليل من الإنجليزية، لكنها أظهرت تفوقًا أكاديميًا لافتًا. وفي عام 1982، تخرجت بمرتبة الشرف في الهندسة الكيميائية من جامعة ماريلاند، ثم حصلت على درجة الماجستير في الإدارة العامة. وجددت عهدها بـ “رد الجميل” للوطن الذي احتضنها.
انجذبت آن دوانغ للعمل كعالمة مدنية في البحرية الأمريكية، وبحلول عام 2001، كانت تشغل منصب مديرة التطوير المتقدم للذخائر غير الحساسة. وبعد هجمات 11 سبتمبر، جاءت الفرصة لتحقيق تعهد طفولتها. طُلب من فريقها تطوير قنبلة قادرة على اختراق الأنفاق والكهوف المحصنة التي كان يستخدمها تنظيم القاعدة في أفغانستان، وذلك لتجنب إرسال القوات البرية.
وتحت قيادة آن دوانغ، قام فريقها المكون من 100 عالم وفني بتكثيف عمل كان من المفترض أن يستغرق خمس سنوات في 67 يومًا فقط. وكانت النتيجة هي قنبلة BLU-118/B الحرارية، وهي قنبلة موجهة بالليزر تحدث انفجارًا مستمرًا وعالي الحرارة قادرًا على تدمير الأهداف تحت الأرض. وقد استُخدم هذا السلاح بنجاح في أفغانستان، ونال فريقها بأكمله وسام “الوحدة الجديرة بالتقدير” في عام 2002، وهو تكريم عادة ما يكون مخصصًا للوحدات العسكرية.
وقد شكلت هذه المتفجرات المبتكرة نفسها جزءًا من عائلة الذخائر التي استُخدمت في القنابل الخارقة للتحصينات من طراز GBU-57، وهي نفس القنابل التي استخدمتها الولايات المتحدة مؤخرًا في ضرباتها ضد منشآت إيران النووية في فوردو ونطنز، حيث تم توجيه أربع عشرة قنبلة من هذا النوع إلى الموقعين.
ترى آن دوانغ أن عملها لا يتعارض مع تجربتها كضحية حرب، بل تعتبر أن القنابل عالية التقنية يمكن أن تقصر أمد الحروب وتحافظ على أرواح الجنود، وهو ما كان واجبها الأول كعالمة عسكرية أمريكية. وقد تجسد نجاحها في تحقيق هذا الهدف في لقاء نادر مع أحد المحاربين القدامى في أفغانستان، الذي شكرها قائلاً: “لقد أنقذت حياتي وحياة رفاقي”. واعتبرت آن دوانغ أن هذه الكلمات كانت أفضل مكافأة يمكن أن تأمل بها.
بعد تقاعدها في عام 2020، وبعد أن خدمت أيضًا في وزارة الأمن الداخلي، لا تزال تتابع الأحداث العالمية. ورغم أنها لا تعلق على الجدل الدائر حول مدى الضرر الذي ألحقته القنابل الأخيرة بالمواقع النووية الإيرانية، إلا أنها تؤكد أن تقييم النجاح الحقيقي لمثل هذه العمليات يستغرق وقتًا طويلاً. لكن الأهم بالنسبة لها هو أن عملها، الذي بدأ بوعد من طفلة صغيرة في فيتنام، قد ساهم في حماية أولئك الذين يحمون بلدها الجديد.