كشف كبار القادة العسكريين الأمريكيين عن تفاصيل غير مسبوقة حول العملية العسكرية التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني بالقنابل الخارقة للتحصينات، مؤكدين أن الهجوم لم يكن مجرد رد فعل عسكري، بل كان تتويجًا لجهود استخباراتية وتكنولوجية امتدت لأكثر من خمسة عشر عامًا.
وخلال مؤتمر صحفي عُقد يوم أمس، الخميس، في البنتاغون، أوضح وزير الدفاع بيت هيجسيث ورئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دان كين أن القنابل خارقة التحصينات التي استُخدمت في الهجوم صُممت خصيصًا لتدمير المواقع النووية الإيرانية المحصنة تحت الأرض، في عملية عسكرية تم التخطيط لها بدقة فائقة لضمان تحقيق أهدافها.
هذا الكشف لا يقدم فقط تفاصيل عن الضربات الأمريكية على إيران، بل يروي قصة سباق طويل بين التقدم الإيراني في بناء منشآت سرية، والجهود الأمريكية لتطوير أسلحة قادرة على الوصول إليها وتدميرها، وهي قصة بدأت قبل سنوات طويلة من اندلاع الصراع الأخير، وكان هدفها النهائي هو تحييد قدرات المواقع النووية الإيرانية الأكثر تحصينًا.
تعود جذور القنابل خارقة التحصينات، المعروفة رسميًا باسم “جي بي يو-57″، إلى عام 2009، عندما تم عرض إحاطة سرية على وكالة الحد من التهديدات الدفاعية الأمريكية حول ما بدا أنه “مشروع بناء ضخم في جبال إيران”. وتبين لاحقًا أن هذا المشروع هو منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وهي واحدة من أكثر المواقع النووية الإيرانية سرية وتحصينًا. أدركت الولايات المتحدة في ذلك الوقت أنها لا تملك في ترسانتها أي سلاح قادر على اختراق مثل هذه التحصينات العميقة.
هذا الإدراك دفع البنتاغون إلى إطلاق برنامج تطوير سري ومكثف استمر لمدة 15 عامًا. ووفقًا للجنرال كين، فقد تم تكليف فريق من الخبراء بمراقبة بناء منشأة فوردو، ودراسة جيولوجيا الموقع، وتحليل كل قطعة من المعدات التي تدخل وتخرج منه. وفي موازاة ذلك، عمل مئات العلماء والمهندسين على تصميم ونمذجة ومحاكاة القنابل خارقة التحصينات باستخدام أجهزة كمبيوتر عملاقة، في سباق لإنتاج سلاح يمكنه الوصول إلى قلب المواقع النووية الإيرانية وتدميرها.
إن القنابل خارقة التحصينات التي يبلغ وزنها 30,000 رطل ليست مجرد قنابل تقليدية. فهي تتكون من جسم فولاذي مصمم للاختراق العميق، ومواد شديدة الانفجار، وفتيل ذكي يمكن برمجته لينفجر في لحظة محددة بدقة. هذا التصميم يسمح للسلاح باختراق طبقات متعددة من الصخور والخرسانة قبل أن ينفجر في النقطة المستهدفة لتحقيق أقصى قدر من الدمار.
وخلال المؤتمر الصحفي، تم الكشف عن الخطة الدقيقة التي اتبعتها الضربات الأمريكية على إيران. فقد تم استهداف منشأة فوردو بـ 12 قنبلة، حيث تم تخصيص ست قنابل لكل مسار من مساري التهوية الرئيسيين في المنشأة. أُلقيت القنبلة الأولى لتدمير الألواح الخرسانية التي وضعتها إيران كحماية، بينما أُلقيت القنابل الأربع التالية عبر الفتحة التي أحدثتها القنبلة الأولى لتنفجر داخل المجمع تحت الأرض، بسرعة تتجاوز 1000 قدم في الثانية، مما أدى إلى موجة ضغط هائلة دمرت المعدات في الأنفاق. كما تم استهداف منشأة نطنز، وهي من أبرز المواقع النووية الإيرانية، بقنبلتين إضافيتين. وقد تم تنفيذ هذه العملية باستخدام سبع قاذفات شبح من طراز B-2، حيث أكد الطيارون أن الانفجارات كانت الأشد سطوعًا التي رأوها على الإطلاق.
وأعرب قادة البنتاغون عن ثقتهم الكاملة في نجاح العملية، حيث صرح وزير الدفاع هيجسيث بأن ” المواقع النووية الإيرانية قد دُمرت”. ومع ذلك، يبقى هناك سؤال جوهري لم تتم الإجابة عنه بشكل قاطع: هل كان اليورانيوم عالي التخصيب، وهو المكون الأساسي لصنع سلاح نووي، موجودًا في هذه المواقع وقت الهجوم. ولكن المسؤولين لم يقدموا إجابة واضحة، مما يترك الباب مفتوحًا أمام التكهنات حول مدى فعالية الضربة في إنهاء البرنامج النووي الإيراني بالكامل، وليس فقط تدمير بنيته التحتية. ولذلك يظل مصير المواد النووية غامضًا.