شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا ملحوظًا في عدد البالغين الذين يُشخَّصون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، وهو اضطراب عصبي يُصيب الأطفال عادةً، لكن الاهتمام المتزايد به في الأوساط الطبية والإعلامية دفع إلى اتساع نطاق التشخيص ليشمل فئات عمرية جديدة.
إلا أن مراجعة شاملة حديثة لأكثر من 290 تجربة سريرية رفيعة المستوى أظهرت أن العديد من هذه الدراسات لم تؤسس على تشخيص دقيق، بل اعتمد بعضها على تقييمات ذاتية أو أدوات غير دقيقة لتحديد إصابة المشارك بـ”اضطراب فرط الحركة”، مما يطرح تساؤلات عميقة حول مصداقية النتائج العلاجية.
أجرت جامعتي كوبنهاغن وساو باولو دراسة تفصيلية على تجارب سريرية تتعلق باضطراب فرط الحركة لدى البالغين، وتوصل الباحثون إلى أن نصف هذه الدراسات تقريبًا لم تُجرِ تقييمًا تشخيصيًا شاملاً لاستبعاد الاضطرابات النفسية الأخرى كالاكتئاب أو الاضطراب ثنائي القطب.
وما يزيد من حدة الإشكال، أن بعض التجارب السريرية سمحت بإدخال مشاركين لديهم أكثر من تشخيص نفسي في نفس الوقت، مما يُعقد تفسير تأثير الدواء ويُضعف مصداقية النتائج.
في 61% من الدراسات التي تمت مراجعتها، لم تُوضح الجهات المسؤولة عن تشخيص المشاركين، وفي 35% فقط من الحالات، تم إجراء التشخيص من قبل مختص نفسي مؤهل، وفي حالات أخرى، تم الاعتماد على التقييم الذاتي من قِبل المشارك، وفي إحدى الحالات، تولى برنامج حاسوبي هذه المهمة الحساسة.
هذا القصور في تحديد من يُشخِّص، وبأي أدوات، يهدد الأساس العلمي الذي تُبنى عليه طرق علاج اضطراب فرط الحركة.
يشير الباحثون إلى أن الارتفاع الحاد في تشخيصات اضطراب فرط الحركة لدى البالغين قد يكون مرتبطًا بانتشار المحتوى المتعلق بالاضطراب على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يدفع هذا البعض إلى التشخيص الذاتي، والبحث عن علاج دون إشراف طبي متخصص، مما يُفاقم خطر التشخيص الخاطئ أو التداخل مع حالات نفسية أخرى.
تقول جولي نوردغارد، أستاذة الطب النفسي: “لا يمكننا الوثوق بنتائج الأبحاث إذا لم تُبنَ على تقييمات موثوقة”، وأضافت أن غياب المعايير الموحدة يُضعف القدرة على مقارنة نتائج الدراسات أو تعميم نتائجها، خاصةً في ضوء التوسع الكبير في استخدام الأدوية المعتمدة على نتائج هذه التجارب.
قد يؤدي سوء التشخيص إلى وصف أدوية لم تُصمَّم لعلاج المشكلة الحقيقية، مما يعرّض المريض لآثار جانبية غير ضرورية، وفي المقابل، قد يُحرَم من هم بحاجة فعلية للعلاج من المساعدة الفعالة بسبب شكوك في التشخيص.
وهنا تكمن خطورة الاعتماد على علم غير دقيق في إدارة حالات حساسة مثل اضطراب فرط الحركة.
مع تزايد الاعتماد على البيانات السريرية في توجيه السياسات الصحية، تُوجِّه الدراسة دعوة قوية لوضع معايير واضحة وموحدة لتشخيص اضطراب فرط الحركة، وإسناد هذه المهمة لأخصائيين مؤهلين فقط، لضمان دقة العلاج وسلامة المرضى.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
التنبؤ بالنوبة القلبية.. حقيقة أم مجرد خرافات؟