يعد اضطراب الكابوس أحد اضطرابات النوم السلوكية التي تتميز بنمط متكرر من الأحلام المفزعة والواضحة، والتي تسبب ضائقة كبيرة أو تعيق الأداء اليومي للفرد، وإلى جانب الرعب الليلي، يتذكر الشخص المصاب تفاصيل هذه الكوابيس المزعجة فور استيقاظه، مما قد يحول ليلة هادئة إلى مصدر للخوف والقلق.
لا تقتصر أعراض اضطراب الكابوس على مجرد الحلم المزعج، بل تمتد لتشمل تبعات جسدية ونفسية عميقة، فغالبًا ما تدور موضوعات الكوابيس حول تهديدات مباشرة للبقاء على قيد الحياة أو للأمن والسلامة الجسدية، ويصاحب هذه الأحلام عادة أعراض جسدية مثل التعرق الشديد، أو تسارع ضربات القلب، أو ضيق في التنفس.
وإلى جانب الشعور بالخوف الشديد، قد تثير هذه الكوابيس مشاعر أخرى كالقلق والغضب أو الحزن والعار، ولا تنتهي المعاناة بالاستيقاظ، إذ قد يواجه الشخص المصاب صعوبة في التركيز أثناء النهار، وشعورًا بالإرهاق والتعب، بالإضافة إلى اضطرابات مزاجية كالقلق والاكتئاب، مما يؤثر سلبًا على أدائه في العمل أو الدراسة وعلاقاته الاجتماعية.
يمكن أن يصيب اضطراب الكابوس أي شخص في أي عمر، لكنه أكثر شيوعًا بين الأشخاص الذين يعانون من حالات صحية ونفسية معينة.
وتشير الإحصاءات أن ما بين 50% إلى 90% من المصابين باضطراب ما بعد الصدمة يعانون من الكوابيس المتكررة، كما تزيد احتمالية الإصابة به بنحو ثلاثة أضعاف لدى الأشخاص الذين يعانون من اضطراب القلق العام أو القلق الاجتماعي مقارنة بعموم السكان، ويرتبط أيضًا بحالات أخرى مثل انقطاع النفس النومي والاكتئاب.
لا يزال الباحثون يدرسون الأسباب الدقيقة وراء الكوابيس، ولكن هناك نظريات متعددة تحاول تفسير الظاهرة.
تفترض إحدى النظريات الرئيسية أن اضطراب الكابوس قد يكون مرتبطًا بزيادة “اليقظة المفرطة”، وهي حالة من التهيج والغضب والشك المستمر التي تتراكم خلال النهار وتستمر أثناء الليل، مما يجعل مناطق معينة في الدماغ مفرطة النشاط أثناء النوم.
نظرية أخرى تُعرف بـ”ضعف إطفاء الخوف”، وتشير إلى أن الدماغ في الظروف الطبيعية يستطيع دمج الذكريات المخيفة مع سياقات جديدة وغير مرتبطة بها، مما يسمح بنوم وأحلام طبيعية، لكن لدى المصابين بهذا الاضطراب، يفشل الدماغ في هذه العملية، ويستمر في تنشيط ذكريات الخوف أثناء النوم، مما يؤدي إلى تكرار الكوابيس.
يعتمد تشخيص اضطراب الكابوس بشكل أساسي على التاريخ المرضي المفصل الذي يقدمه المريض للطبيب، ولا يوجد فحص طبي محدد لتأكيده.
يقوم الطبيب بتقييم شامل للأعراض، وتكرار الكوابيس، وتأثيرها على حياة المريض، كما يستبعد الأسباب الأخرى المحتملة مثل الآثار الجانبية لبعض الأدوية كحاصرات بيتا ومضادات الاكتئاب أو أعراض الانسحاب من بعض المواد.
أما العلاج، فتوصي الأكاديمية الأمريكية لطب النوم بالعلاجات النفسية القائمة على العلاج السلوكي المعرفي كخطوة أولى وأكثر فاعلية.
ومن أبرز هذه الطرق “العلاج بالبروفة التخيلية”، الذي ينظر إلى الكوابيس كعادة مكتسبة يمكن تغييرها، وفي هذا العلاج، يتم إرشاد المريض لإعادة تخيل كوابيسه وتغيير سيناريوهاتها إلى نهايات أقل إزعاجًا، ثم التدرب على هذه “النسخة الجديدة” من الحلم يوميًا بهدف إعادة برمجة العقل.
وفي الحالات التي لا يستجيب فيها المريض للعلاج النفسي، قد يلجأ الأطباء إلى الأدوية، وتوجد أدوية محددة مثل “برازوسين” التي أظهرت فاعلية في علاج اضطراب الكابوس، خاصة ذلك المرتبط باضطراب ما بعد الصدمة.
ويختلف مسار المرض من شخص لآخر؛ فبينما قد يختفي اضطراب الكابوس من تلقاء نفسه لدى البعض، يمكن أن يستمر لعقود إذا لم يتم علاجه لدى آخرين.
ويحذر الخبراء من أن الحالات المزمنة وغير المعالجة تزيد من خطر محاولات الانتحار، مما يؤكد على الأهمية القصوى لطلب المساعدة المتخصصة عند تكرار الكوابيس وتأثيرها على جودة الحياة.