يعمل العلماء حاليًا على تنفيذ مشروع طموح قد يغير الطريقة التي نتنبأ بها بواحدة من أقوى الظواهر الطبيعية على وجه الأرض وهي الأعاصير من خلال أسماك القرش. فبدلًا من الاعتماد فقط على الأقمار الصناعية والسفن باهظة الثمن، يتجه الباحثون الآن إلى حليف غير متوقع وهي مفترسات المحيط، التي يتم تجهيزها بأجهزة استشعار عالية التقنية لتحويلها إلى أسطول من جامعي البيانات المحيطية المتجولين.
تتغذى الأعاصير وتشتد قوتها بشكل أساسي على “محتوى حرارة المحيط“، وهو مقياس لا يعتمد فقط على درجة حرارة سطح الماء، بل على كيفية تغير هذه الحرارة مع العمق. ووفقًا لهيئة الأرصاد الجوية الوطنية، فإن درجة حرارة مياه المحيط التي تزيد عن 26 درجة مئوية (79 فهرنهايت) هي الشرط الأساسي لتكوّن الأعاصير. والمشكلة التي يواجهها العلماء هي أن الأقمار الصناعية لا يمكنها قياس سوى درجة حرارة السطح، بينما تبقى البيانات الحيوية من أعماق المحيط بعيدة المنال. وهنا يأتي دور أسماك القرش.
يوضح آرون كارلايل، عالم البيئة البحرية بجامعة ديلاوير، أن استخدام منصات أخرى مثل السفن أو المركبات ذاتية القيادة للحصول على هذه البيانات “مكلف للغاية ومحدود النطاق”. لكن أسماك القرش، بطبيعتها كمفترسات واسعة النطاق ودائمة الحركة، تغوص باستمرار وتعاود الصعود عبر طبقات المياه المختلفة، مما يجعلها منصات مثالية لجمع البيانات من جزء أكبر بكثير من المحيط يظل عادةً غير خاضع للمراقبة.
يقوم فريق البحث بتثبيت علامات استشعار متطورة على أنواع محددة من أسماك القرش، مثل القرش الأزرق وقرش ماكو، والتي تم اختيارها نظرًا لأنماط حركتها وغوصها المثالية. هذه العلامات، التي تبلغ تكلفة الواحدة منها حوالي 6000 دولار، تسجل بيانات حيوية عن درجة الحرارة والملوحة والعمق في الوقت الفعلي. الهدف النهائي للمشروع هو إنشاء “أسطول” دائم من أسماك القرش المجهزة بهذه العلامات خلال موسم الأعاصير. وستقوم هذه القروش بتوفير تيار مستمر من البيانات التي سيتم إدخالها مباشرة في النماذج الحاسوبية المختلفة المستخدمة للتنبؤ بقوة الأعاصير وكثافتها ومسارها، مما يزيد من دقة التحذيرات المبكرة.
ويسير المشروع بخطى حذرة ومدروسة. فبينما أجرى الفريق تجارب ناجحة لوضع العلامات في مايو 2025، لا يزال المشروع في مرحلة تجريبية هذا العام، حيث يعمل الباحثون على حل بعض الصعوبات التقنية، كما أنهم محدودون في عدد العلامات التي يمكن نشرها بسبب التأثيرات المستمرة لجائحة كوفيد-19. ويأمل كارلايل، في حال توفر تمويل إضافي، أن يتمكن الفريق من إطلاق المشروع على نطاق أوسع في عام 2026 أو على الأرجح في 2027.
وفيما يتعلق بالجانب الأخلاقي، يؤكد كارلايل أن فريقه يدرك تمامًا تأثير ربط أي جهاز بحيوان. ولهذا السبب، يخضع المشروع لعملية مراجعة وتصاريح صارمة لضمان تقليل أي آثار سلبية إلى الحد الأدنى. ويضيف أن صحة الحيوان وسعادته أمران ضروريان لنجاح المهمة، فإذا كانت العلامة تؤذي القرش، فلن يحصل الفريق على بيانات قيمة، وسيخسر استثماره الكبير. ولضمان ذلك، تم تصميم العلامات بحيث تتآكل أجزاؤها وتنفصل عن الحيوان بشكل طبيعي بمرور الوقت.