شهد كوكب الأرض خلال شهر مايو الجاري واحدة من أقوى الظواهر الفضائية في العقد الأخير، تمثلت في العاصفة الشمسية العنيفة التي نتجت عن سلسلة من التوهجات الشمسية القوية والانبعاثات الكتلية الإكليلية التي أطلقتها الشمس.
وقد خلفت هذه الظاهرة تأثيرات واسعة على الاتصالات اللاسلكية، وأثارت القلق في أوساط خبراء الطقس الفضائي وهندسة الأقمار الصناعية، ونستعرض خلال هذا التقرير تفاصيل هذه العاصفة وتداعياتها، إضافة إلى خلفية علمية مبسطة لفهم الظاهرة.
في يوم 13 مايو 2025، انفجرت بقعة شمسية نشطة تُدعى AR4086 مطلقة توهجًا شمسيًا من الفئة X1.2، وهي من أقوى الفئات المعروفة في تصنيف التوهجات الشمسية، ولم تكد تمضي ساعات حتى أطلقت بقعة أخرى، AR4087، توهجين من الفئة M5.3 وX2.7 تباعًا، تلتهما موجة أخرى من توهج M7.7 في صباح اليوم التالي.
سببت هذه التوهجات المتتالية عاصفة شمسية أثرت بشكل مباشر على الاتصالات اللاسلكية في الجانب المضيء من الأرض، مما أدى إلى انقطاعات مؤقتة في موجات الراديو القصيرة في مناطق شملت أمريكا الشمالية والجنوبية، وأوروبا، والشرق الأوسط، وجنوب شرق آسيا.
التوهج الشمسي هو انفجار هائل للطاقة في الغلاف الجوي للشمس، ناتج عن إعادة ترتيب مفاجئ للحقول المغناطيسية المعقدة المرتبطة بالبقع الشمسية، ويرافق هذا الانفجار انبعاث أشعة سينية وفوق بنفسجية شديدة، تصل الأرض في غضون دقائق، وتؤثر مباشرة على طبقة الأيونوسفير، مسببة اضطرابًا في قدرة هذه الطبقة على عكس الإشارات الراديوية.
وفي هذه العاصفة، رافق توهج X2.7 انبعاث كتلي إكليلي (CME) ضخم، وهو عبارة عن سحابة من البلازما الشمسية المشحونة التي تسير بسرعة قد تصل إلى 3000 كيلومتر في الثانية، لكن لحسن الحظ، لم يكن هذا الانبعاث موجهًا مباشرة نحو الأرض، بل استهدف كوكب المريخ.
تُصنّف التوهجات الشمسية حسب شدّتها إلى فئات تبدأ بـ A، مرورًا بـ B، C، M، وتصل إلى الفئة X، التي تمثل أعلى درجات الشدة، وكل فئة بينها تعني زيادة في القوة بمقدار عشرة أضعاف عن الفئة السابقة، ويُضاف رقم بعد الحرف لتحديد مدى قوة التوهج، وعلى سبيل المثال، X2.7 أقوى من X1.2 بمرتين ونصف.
وبحسب وكالة NOAA الأميركية، فإن التوهج X2.7 في 14 مايو هو الأقوى خلال عام 2025 حتى الآن، ويقارن بشدة التوهج X9 الذي وقع في أكتوبر 2024. وبذلك، تُعد العاصفة الشمسية الناتجة عن هذا التوهج حدثًا استثنائيًا من حيث القوة والتأثير.
عندما تصل الجسيمات المشحونة من الانبعاثات الشمسية إلى الأرض، فإنها تتفاعل مع الغلاف المغناطيسي، مسببة عاصفة شمسية مغناطيسية تُعرف باسم “العاصفة الجيومغناطيسية”. وتُصنّف هذه العواصف من G1 إلى G5، حيث G5 تمثل أعلى مستوى من الخطورة وقد تؤدي إلى:
وعلى الرغم من أن الانبعاث الأخير لم يتجه مباشرة نحو الأرض، إلا أن تحركات البقعة الشمسية AR4087 تُنذر بإمكانية توجيه مزيد من الانبعاثات في الأيام القادمة نحو كوكبنا.
وفقًا لمركز التنبؤ بالطقس الفضائي التابع لـ NOAA، فإن احتمالية حدوث توهجات شمسية إضافية خلال الأيام القادمة مرتفعة، فقد أشارت التوقعات إلى احتمال بنسبة 65% لوقوع توهجات من الفئة M، و30% لاحتمال وقوع توهجات من الفئة X حتى 17 مايو.
هذا يعني أننا ما زلنا في قلب النشاط المرتبط بالعاصفة الشمسية الأخيرة، وقد نشهد المزيد من الانقطاعات أو العواصف المغناطيسية في أي لحظة.
تمر الشمس بدورات نشاط تمتد لنحو 11 سنة، وبدأت الدورة الحالية المعروفة باسم الدورة الشمسية 25، في ديسمبر 2019 ومن المتوقع أن تصل إلى ذروتها في عام 2025 أو 2026، ما يفسر تزايد عدد البقع الشمسية والتوهجات التي تسببت في العاصفة الشمسية الحالية.
علماء الفضاء يتوقعون أن تستمر هذه الدورة بالنشاط المرتفع مقارنة بالدورة السابقة، ما يفرض استعدادات تقنية ومراقبة مستمرة للتخفيف من آثار أي عاصفة شمسية مستقبلية.
ما جرى في مايو 2025 من نشاط شمسي عنيف يؤكد مدى حساسية الأرض تجاه التغيرات في الفضاء الخارجي، وعلى الرغم من أن العاصفة الشمسية الأخيرة لم تصب الأرض بكامل قوتها، لكنها كانت بمثابة جرس إنذار لإمكانية تعرض أنظمتنا الإلكترونية والاتصالية لاضطرابات مفاجئة.
لذلك، يبقى من الضروري مواصلة الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر، وتطوير البنية التحتية المقاومة للتقلبات المغناطيسية، خاصة مع ترقب نشاط شمسي متصاعد خلال السنوات المقبلة.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
لماذا نرى الحركة السريعة للأجسام مشوشة؟