تخيل أنك تحرك كاميرا بسرعة من هدف إلى آخر. غالبًا ما تتحول الصورة إلى لطخة ضبابية قد تصيبك بالدوار. بالمثل، تقوم أعيننا بنفس الحركة السريعة أو شبيهة لها عدة مرات كل ثانية. ومع ذلك، لا نلاحظ أي تشويش على الإطلاق. هذه التحولات السريعة تسمى الرمشات أو الحركات السريعة للعين (saccades). على الرغم من أن الصورة على شبكية العين تقفز بشكل كبير خلال كل حركة، إلا أن دماغنا يقوم بتلطيفها بطريقة ما. بالتالي، نحن لا نرى الحركة أبدًا.
كشف بحث جديد عن شيء مثير للدهشة أكثر. فقد تبين أن سرعة الرمشات يمكن أن تتنبأ بالنقطة التي تختفي عندها الأجسام المتحركة بسرعة من إدراكنا. ووفقًا لدراسة نشرت في دورية “Nature Communications”، فإن الأجسام مثل السنجاب الذي يركض بسرعة عبر ساحة أو كرة تنس تطير في الهواء يمكن أن تتلاشى من وعينا عندما تتحرك بسرعة ونمط مماثلين لحركة الرمشات.
يشير هذا الاكتشاف إلى أن حدود ما يمكننا رؤيته لا تتعلق فقط بمدى حساسية أعيننا. بل إنها مرتبطة بعمق بالطريقة التي تتحرك بها أعيننا. وبالتالي، فإن فهم الرؤية يعني فهم الحركة. هذا لا يقتصر على الحركة في العالم من حولنا، بل يشمل أيضًا الحركة في أجسامنا.
إن الحد الأقصى لسرعة الجسم قبل أن يصبح غير مرئي لنا يرتبط ارتباطًا مباشرًا بسرعة حركات أعيننا. فبعد سرعة معينة، يصبح المنبه المتحرك أسرع من أن نراه. ونتيجة لذلك، يمكن استخدام سرعة حركات أعيننا عبر مسافة معينة للتنبؤ بالسرعة التي يصبح عندها المنبه المتحرك غير مرئي لنا. وعلاوة على ذلك، بما أن سرعة حركات أعيننا تختلف من شخص لآخر، فإن الأشخاص الذين يقومون بحركات عين سريعة بشكل خاص يمكنهم أيضًا رؤية الأجسام المتحركة بسرعات أعلى من الأشخاص ذوي حركات العين الأبطأ. وهذا قد يعني أن أفضل لاعبي البيسبول أو لاعبي ألعاب الفيديو الحركية أو مصوري الحياة البرية هم أولئك الذين يتمتعون بحركات عين أسرع.
تقدم هذه النتيجة أول دليل على فكرة أن حركات أجسامنا تشكل بشكل أساسي قدرات نظامنا الإدراكي. ويوضح مارتن رولفس، المؤلف الرئيسي للدراسة، قائلاً: “إن الأجزاء التي يمكننا استشعارها من العالم المادي تعتمد بشكل أساسي على مدى جودة أجهزة الاستشعار لدينا”. وأضاف: “على سبيل المثال، لا نرى ضوء الأشعة تحت الحمراء لأن أعيننا ليست حساسة له، ونفشل في رؤية الوميض على شاشاتنا لأنه يومض بترددات أعلى مما تستطيع أعيننا تحمله”.
وتابع رولفس: “في هذه الورقة، ومع ذلك، نظهر أن حدود الرؤية لا تحددها فقط هذه القيود الفيزيائية الحيوية، بل أيضًا الأفعال والحركات التي تفرض تغييرات على النظام الحسي. ولإظهار ذلك، استخدمنا أسرع وأكثر حركات الجسم تكرارًا، أي حركات العين السريعة التي يقوم بها الناس أكثر من مائة ألف مرة في اليوم”. وأردف قائلاً: “تمامًا مثل حركة الكاميرا التي تسبب حركة في الفيلم، تخلق الرمشات أنماط حركة على شبكية العين. لكننا لا ندرك هذه الحركة بوعي أبدًا”.
بالتالي، أوضح رولفس أن هذا يعتبر سمة ذكية للنظام البصري. لأنه يظل حساسًا للحركة السريعة، ولكن فقط حتى السرعات التي تنتج تحديدًا عن الرمشات. وهذه السرعات لا تُرى بوعي، على الرغم من أنها متاحة للدماغ. وبعبارة بسيطة، فإن خصائص النظام الحسي، مثل نظام الرؤية البشري، تُفهم على أفضل وجه في سياق حركية الأفعال التي تقود مدخلاته (في هذه الحالة، حركات العين السريعة).
يقول مارتن رولفس: “إن نظامنا البصري ونظامنا الحركي متناغمان بدقة مع بعضهما البعض، ولكن تم تجاهل هذا لفترة طويلة”. وأضاف: “إحدى المشكلات هي أن الأشخاص الذين يدرسون التحكم الحركي ليسوا هم نفس الأشخاص الذين يدرسون الإدراك. إنهم يحضرون مؤتمرات مختلفة، وينشرون في مجلات مختلفة – ولكن يجب عليهم التحدث!”. وتشير هذه الدراسة إلى أن نظامنا البصري يمكنه التعرف على متى يتحرك المنبه بطريقة مماثلة لحركات أعيننا، ثم يقوم بتصفية الإدراك الواعي لهذه الحركة. وهذا يقدم أيضًا آلية جديدة لتفسير سبب عدم رؤيتنا لتلطيخ بصري للحركة على شبكية العين أثناء حركات العين، كما لو كنا نستخدم كاميرا.