في عام 1582، شهد التاريخ واحدة من أغرب الوقائع الزمنية حين اضطر العالم إلى حذف 10 أيام من أكتوبر بقرار من البابا غريغوري الثالث عشر، حيث جاء هذا الإجراء ضمن إصلاحات التقويم الميلادي التي عُرفت لاحقًا باسم التقويم الغريغوري، وجاءت بهدف تصحيح خطأ تراكم عبر القرون في حساب السنة الشمسية وفق التقويم اليولياني القديم الذي كان معمولًا به منذ عهد يوليوس قيصر في عام 46 قبل الميلاد.
كان التقويم اليولياني يضيف يومًا كبيسًا كل أربع سنوات، ما أدى مع مرور الوقت إلى انحراف تدريجي بلغ حوالي عشرة أيام عن السنة الشمسية الفعلية، وسبب هذا الخطأ مشكلة كبيرة في تحديد موعد عيد الفصح الذي كان يُحسب اعتمادًا على الاعتدال الربيعي، ومع مرور القرون، بدأ التاريخ الفعلي للاعتدال يبتعد شيئًا فشيئًا عن موعده الفلكي الصحيح.
من هنا، جاءت فكرة التقويم الغريغوري لتعيد الانسجام بين التواريخ والفصول، مستندة إلى حسابات دقيقة وضعها علماء الفلك، أبرزهم نيكولاس كوبرنيكوس الذي ساعدت أبحاثه في تحديد طول السنة الشمسية بدقة أكبر.
كان الحل المفاجئ هو حذف 10 أيام من أكتوبر عام 1582 لتصحيح الفارق الزمني المتراكم، حيث أصدر البابا مرسومًا يقضي بأن يلي يوم الخميس 4 أكتوبر مباشرة يوم الجمعة 15 أكتوبر من العام نفسه، وبذلك اختفت الأيام من 5 إلى 14 أكتوبر من التاريخ.
السبب في اختيار شهر أكتوبر تحديدًا هو أنه الشهر الأقل أعيادًا دينية، وبالتالي فإن تعديل التواريخ خلاله لن يربك المناسبات الكنسية المهمة، ومنذ ذلك اليوم، دخلت البشرية مرحلة زمنية جديدة مع التقويم الغريغوري الذي ما زال يُستخدم في معظم أنحاء العالم حتى اليوم.
لم يكن الانتقال إلى التقويم الغريغوري سهلًا، إذ رفضت بعض الدول الكاثوليكية في البداية الانصياع لأمر البابا، مثل فلورنسا وتوسكانا اللتين تمسكتا بالتقويم القديم حتى منتصف القرن الثامن عشر، وفي المقابل، سارعت دول كإسبانيا والبرتغال وفرنسا إلى تطبيق النظام الجديد فور صدور المرسوم البابوي.
أما الدول البروتستانتية والأرثوذكسية، فاستغرقت وقتًا أطول، حيث لم تعتمد بريطانيا ومستعمراتها في أمريكا الشمالية النظام الجديد إلا عام 1752، حين حذفت هي الأخرى 10 أيام من أكتوبر لتتزامن مع بقية أوروبا، ولاحقًا، انضمت اليابان عام 1873، ثم تبعتها روسيا وتركيا واليونان في أوائل القرن العشرين.
أدى تأخر بعض الدول في تطبيق التقويم الجديد إلى ارتباك عالمي في المواعيد لقرون، فعلى سبيل المثال، كان التقويم الروسي لا يزال يعتمد النظام اليولياني حتى الثورة البلشفية عام 1917، ما جعل التاريخ الروسي متأخرًا 13 يومًا عن أوروبا الغربية، وعندما قررت موسكو اعتماد التقويم الغريغوري، اضطرت إلى حذف 10 أيام من أكتوبر ثم لاحقًا 13 يومًا إضافية لضبط الفارق المتزايد.
حتى القرن العشرين، كانت بعض الدول ما تزال تحتفل بأحداثها التاريخية في مواعيد مختلفة تمامًا وفقًا للتقويم المستخدم، واستمر هذا الارتباك الزمني حتى عام 1927، عندما أصبحت الصين آخر الدول الكبرى التي تعتمد رسميًا التقويم الميلادي الغريغوري.
أعاد التقويم الغريغوري ضبط العلاقة بين الزمن والفصول، لكنه لم يكن مثاليًا تمامًا، ومع ذلك يستمر استخدامه كأساس للتقويمات المدنية حول العالم، وبالرغم من مرور أكثر من أربعة قرون على حذف 10 أيام من أكتوبر، لا يزال ذلك الحدث يمثل نقطة تحول في تاريخ ضبط الوقت.
اليوم، يتأخر التقويم اليولياني عن التقويم الغريغوري بنحو 13 يومًا، ومن المتوقع أن يزيد الفارق إلى 14 يومًا في عام 2100.
يمكنك أن تقرأ أيضًا:
أغرب جرائم قتل ارتكبها مُسنين حول العالم !