مسلسلات بلا توقف.. السر وراء شراهة مشاهدة الحلقات المتتالية

ديسمبر ١٨, ٢٠٢٥

شارك المقال

مسلسلات بلا توقف.. السر وراء شراهة مشاهدة الحلقات المتتالية

في عصر المحتوى الرقمي، أصبح من الصعب إبعاد أعيننا عن الشاشة. قد تبدأ بمشاهدة حلقة واحدة من مسلسل، ثم تجد نفسك بعد ساعات قد انتهيت من موسم كامل دون أن تشعر بالوقت يمر. ولكن ما السر وراء هذا الانجذاب الذي يجعلنا نستمر بالمشاهدة دون توقف؟ الإجابة تكمن في السيكولوجية وراء "المشاهدة المتواصلة"، وهي ما تمثل الظاهرة التي غيرت شكل استهلاك التلفزيون والمحتوى الرقمي، وجعلت عقولنا مشدودة لمشاهدة الحلقات تباعًا واحدة تلو الأخرى.

تغير عادات المشاهدة !

ظهر مصطلح "المشاهدة المتواصلة" لأول مرة عام 2003، لكنه لم يكتسب انتشارًا واسعًا إلا بعد عقد من الزمن، وتحديدًا عام 2013، حين قررت نتفليكس طرح جميع حلقات الموسم الأول من مسلسل الدراما السياسية الشهير "هاوس أوف كاردز" دفعة واحدة، بدلًا من بث حلقة واحدة أسبوعيًا. هذه الخطوة مثلت نقطة تحول حقيقية في طريقة استهلاك المحتوى التلفزيوني عبر الإنترنت. بعد خمسة أشهر، كررت نتفليكس التجربة مع مسلسل "أورانج إز ذا نيو بلاك"، مؤكدةً بذلك اعتماد أسلوب العرض الكامل للمواسم، الذي أصبح يعرف بـ"المشاهدة المتواصلة".

كما أحدثت جائحة فيروس كورونا في عام 2020 قفزة كبيرة في نمط المشاهدة المتواصلة للمسلسلات التلفزيونية. فقد سجلت شبكة HBO ارتفاعًا بنسبة 65% في عدد المشتركين الذين شاهدوا ثلاث حلقات أو أكثر متتالية، وذلك بدءًا من 14 مارس، تزامنًا مع تطبيق العديد من الولايات إجراءات الحجر المنزلي للحد من انتشار الفيروس.

وبحلول عام 2025، أصبح نحو 77% من الأمريكيين يمارسون المشاهدة المكثفة للمسلسلات شهريًا، بمعدل 5.5 حلقات في الجلسة الواحدة على مدار 4.1 ساعات، في حين كان نحو 10% يشاهدونها يوميًا. وتصدرت نتفليكس الشبكات الأكثر شعبية لهذا النمط من المشاهدة، وكان جيل زد (المولودون بين 1997 و2012) الأكثر إقبالًا، بنسبة 86% شهريًا. وأوضح المشاهدون أن الإرهاق أو الحاجة للنوم يمثلان السبب الرئيسي لإنهاء جلسة المشاهدة، يليه انتهاء الموسم الكامل للمسلسل.

دوافع مشاهدة المسلسلات بشراهة

 نشرت دراسة حديثة في مجلة Mass Communication and Society عام 2021، تناولت التجربة النفسية والسلوكية للمشاهدة المتواصلة للمسلسلات (binge-watching)، مؤكدة أن سلوك متابعة المسلسلات يرتبط بدوافع محددة لدى الجمهور. قبل ظهور منصات الفيديو عبر الإنترنت، كانت الدراسات تركز على التلفزيون التقليدي، دون تمييز واضح بين دوافع مشاهدة التلفزيون نفسه أو البرامج التلفزيونية. ومع انتشار منصات مثل نتفليكس وأمازون برايم، أصبح المحتوى الأصلي المقدم من هذه الخدمات جزءًا رئيسيًا من استهلاك الفيديو، ما أدى إلى تغيّر طبيعة الدوافع المرتبطة بالمشاهدة.

وأظهرت الدراسة أن دوافع المشاهدة تشمل تمضية الوقت، والترفيه، والتفاعل الاجتماعي، والإثارة، والحصول على المعلومات، والهروب من الواقع، والاسترخاء، وكلها ترتبط إيجابيًا بالوقت الذي يقضيه المشاهد في متابعة التلفزيون. وبشكل خاص، تظهر دوافع التسلية والترفيه والتواصل الاجتماعي ارتباطًا أقوى بمقدار المشاهدة مقارنة بالدوافع الأخرى.

وكشفت الدراسة أن دافع الترفيه يمثل العامل الأساسي المشترك في جميع أنواع سلوكيات المشاهدة المتواصلة، سواء من حيث تكرار المشاهدة، أو مدة الجلسة، أو عدد الحلقات. فكلما لجأ الأفراد إلى مشاهدة المسلسلات بغرض الترفيه، ازداد استمرارهم في المشاهدة، وارتفعت متعتهم المرتبطة بهذه الجلسات، مما يعكس دور الترفيه كحافز داخلي يدفع المشاهدين إلى الاستمرار بشكل متكرر وطويل.

أما دافع الهروب من الواقع، فيعد من أبرز العوامل التي تتنبأ بتكرار مشاهدة الحلقات المتتالية، إذ يسمح للمشاهدين بالانغماس الكامل في أحداث القصة والهروب من واقعهم الحالي، ما يعكس قدرة المشاهدة على توفير ملاذ نفسي مشابه لوظائف التكيف المرتبطة بالكحول أو المخدرات. إلا أن الهروب يقتصر تأثيره على تكرار المشاهدة ولا يمتد إلى زيادة مدة الجلسة أو عدد الحلقات خلال الجلسة الواحدة.

من جهة أخرى، يُعتبر دافع تمضية الوقت المعتاد ثاني أهم دوافع مشاهدة البرامج التلفزيونية بشكل عام، ولكنه يظهر تأثيرًا سلبيًا على تكرار المشاهدة المتواصلة، ما يشير إلى أن المشاهدين الذين يتابعون المسلسلات بشكل متكرر لا يفعلون ذلك كجزء من روتين يومي اعتيادي، بل كممارسة متعمدة تتسم بالانغماس والاهتمام بالسرد.

كما أظهرت الدراسة أن العمر يمثل عاملاً حاسمًا في التنبؤ بتكرار مشاهدة المسلسلات التلفزيونية بشكل متواصل، في حين لم يُلاحظ أي تأثير يُذكر للدخل أو الجنس على هذا السلوك. فكلما كان المشاهد أصغر سنًا، ازدادت وتيرة متابعته للحلقات المتتالية.

مزايا ومخاطر المشاهدة المتواصلة

تتمتع المشاهدة المتواصلة بعدة إيجابيات، مثل متابعة القصص بسلاسة وفهم الحبكة والشخصيات بشكل أعمق. وفي المقابل، تحمل سلبيات واضحة، أبرزها الإرهاق وقلة النوم، وتأجيل الالتزامات اليومية، بالإضافة إلى زيادة الاعتماد على الترفيه الرقمي كوسيلة للهروب من ضغوط الحياة. وفيما يلي نستعرض أبرز الإيجابيات والسلبيات التي تسببها المشاهدة المتواصلة لحلقات المسلسلات :

الإيجابيات 

تعزيز العلاقات الاجتماعية: تخلق المشاهدة المتواصلة ما يسميه الخبراء "مساحة ثقافية مشتركة"، تمكّن المشاهدين من مناقشة المسلسل والاستمتاع به مع الآخرين، من زملاء العمل إلى الغرباء. كما يمكن أن تعزز المشاهدة المشتركة العلاقات الرومانسية، حيث توفر نشاطًا ممتعًا ووقتًا مشتركًا يقوي الروابط بين الشريكين.

فوائد صحية ونفسية: تشير الدراسات إلى أن مشاهدة المسلسلات بشراهة تحفز إفراز الدوبامين، ما يقلل التوتر ويمنح شعورًا بالمتعة والسيطرة، خصوصًا إذا لم يشعر المشاهد بذلك في حياته اليومية. كما يمكن دمج المشاهدة مع التمارين المنزلية، مما يجعل النشاط البدني أكثر متعة وتحفيزًا، مثل ممارسة التجديف أثناء متابعة حلقات المسلسل.

زيادة المتعة والانغماس: يتيح مشاهدة عدة حلقات متتالية الانغماس الكامل في الأحداث المعقدة والشخصيات متعددة الأبعاد، ما يعزز التشويق والرغبة في معرفة ما سيحدث لاحقًا. المسلسلات المصممة للمشاهدة المتواصلة، مثل "أورانج إز ذا نيو بلاك" و"سترينجر ثينغز"، توفر تجربة أكثر إرضاءً مقارنة بالمشاهدة المتقطعة.

السلبيات 

تأثير على الصحة العقلية: تشير الدراسات إلى أن الإفراط في مشاهدة المسلسلات يرتبط بالاكتئاب والشعور بالوحدة، وتقليل ضبط النفس، كما قد يؤدي إلى إهمال العمل والعلاقات الاجتماعية، إضافة إلى الإدمان الرقمي بسبب التحفيز المستمر لإنتاج الدوبامين.

مشاكل صحية جسدية: الجلوس الطويل أمام الشاشة يرتبط ببطء الأيض، وزيادة الوزن، وأمراض القلب، والجلطات الدموية، بالإضافة إلى ضعف جودة النوم، والتعب، والأرق. كما يؤثر نمط التغذية أثناء المشاهدة على الصحة العامة، بسبب الإفراط في الوجبات السريعة وعدم ممارسة النشاط البدني.

انخفاض المتعة والتفاعل مع العمل الفني: الإفراط في مشاهدة المسلسل دفعة واحدة يقلل من متعة الترقب والتفاعل مع الجمهور، وقد يؤدي إلى ضعف تأثير المسلسل وربحيته، كما يجعل متابعة الحلقات المتتالية مربكة أحيانًا ويقلل من التفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي، مقارنة بعرض الحلقات أسبوعيًا.

اقرأ أيضًا :

نقطة الانعطاف.. عندما تجاوز البث الرقمي التلفزيون!
ثورة نتفليكس.. من أقراص DVD إلى إمبراطورية بث العالمية !
الجذور الخفية للبث الرقمي.. كيف بدأت الفكرة قبل عصر الإنترنت؟

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech

مسلسلات بلا توقف.. السر وراء شراهة مشاهدة الحلقات المتتالية - العلم