لماذا ترفض إيران نزع سلاح حزب الله؟

ديسمبر ٢١, ٢٠٢٥

شارك المقال

لماذا ترفض إيران نزع سلاح حزب الله؟

يمثّل حزب الله يمثل في المنظور الاستراتيجي لطهران أكثر من مجرد حليف سياسي في "بلاد الأرز"، فهو الاستثمار الأغلى في مشروع "تصدير الثورة" والذراع العسكرية الأكثر كفاءة في استراتيجية الردع الإيرانية العابرة للحدود.

ومع تصاعد الضغوط الدولية لفرض حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية بنهاية عام 2025، يبدو واضحًا أن قرار التخلي عن الترسانة ليس بيد بيروت، بل هو قرار سيادي إيراني بامتياز.

وترى طهران أن تجريد الحزب من مخالبه الصاروخية يعني انتحارًا جيوسياسيًا يفقدها نفوذها على شواطئ المتوسط، ويترك عمقها الجغرافي مكشوفًا أمام أي هجوم إسرائيلي مباشر.

حزب الله في قلب العقيدة الأمنية الإيرانية

تعتبر إيران أن وجود حزب الله مسلحًا وقويًا هو حجر الزاوية في نظرية "الدفاع المتقدم"، حيث تهدف طهران إلى نقل المعركة مع خصومها بعيدًا عن حدودها الوطنية.

ويؤكد القادة العسكريون الإيرانيون، ومنهم العميد أحمد وحيدي، أن القوى الخارجية "لن تجرؤ" على نزع السلاح لأن الحزب نجح في شل حركة الجيش الإسرائيلي ميدانيًا رغم التفوق الجوي للأخير.

بالنسبة لطهران، يمثل الحزب وسيلة ضغط نفسية وعسكرية تجبر تل أبيب على التفكير ألف مرة قبل استهداف البرنامج النووي الإيراني، خوفًا من انهمار آلاف الصواريخ من جنوب لبنان.

وتشير تقارير غربية أن طهران ضخت ما يقرب من مليار دولار خلال العام الأخير وحده لترميم قدرات حزب الله وتعويض خسائره العسكرية، ما يعكس إصرارًا على عدم التفريط في هذا الاستثمار.

وترى الدوائر السياسية في طهران أن الحزب بلا سلاح لن يكون سوى "جمعية خيرية" أو قوة سياسية محدودة التأثير داخل نظام طائفي معقد، وهو ما لا يحقق المصالح الإيرانية الكبرى.

لذا، فإن أي مفاوضات حول السلاح يجب أن تمر عبر بوابة "الصفقة الكبرى" مع واشنطن، والتي تشمل الملف النووي ورفع العقوبات والاعتراف بالدور الإقليمي لإيران.

مبادرات دبلوماسية لتجريد حزب الله من سلاحه

برزت مؤخرًا تحركات دبلوماسية عربية، تقودها مصر بالتنسيق مع قطر والولايات المتحدة، تهدف إلى تسويق نظرية "الاحتواء بدل النزع".

وتقوم هذه المبادرة على فكرة تجميد مفاعيل سلاح حزب الله أو تعطيل استخدامه في مقابل ضمان أمن الحدود الشمالية لإسرائيل، وهي محاولة لتجاوز الاستعصاء الإيراني عبر تقديم حلول "تسكينية" تمنع انهيار وقف إطلاق النار.

ومع ذلك، قوبلت هذه الأفكار بتشدد متزايد من طهران، التي أوعزت للأمين العام نعيم قاسم بالعودة إلى الخطاب التصعيدي بعد فترة قصيرة من "اللين الدبلوماسي".

ويسعى الكيان المحتل، من جانبه، لشرعنة "المنطقة العازلة" وتجاوز ميكانيزمات الأمم المتحدة واليونيفيل للذهاب نحو مفاوضات مباشرة تضمن لها مصالح اقتصادية وأمنية طويلة الأمد.

وتخشى طهران أن يكون مشروع "المنطقة الاقتصادية" الذي يروج له المبعوث الأمريكي توم باراك، والذي يشمل استثمارات في الغاز والنفط في البلوكات البحرية (مثل البلوك 8)، هو فخ لجر لبنان إلى تطبيع غير مباشر وقطع ارتباط حزب الله العضوي بالجمهورية الإسلامية.

ويعطل هذا التوجس الإيراني أي تقدم حقيقي في ملفات الحدود، حيث تعتبر طهران أن الغاز والحدود هما أوراق قوة يجب ألا تسلم مجانًا للإدارة الأمريكية الجديدة.

مأزق "الانتحار السياسي" والقرار المفقود في بيروت

تتزايد القناعة لدى النخبة السياسية اللبنانية بأن قرار السلاح لم يعد محليًا، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية يوسف رجي بصراحة غير مسبوقة حين أكد أن حزب الله لن يسلم سلاحه "دون قرار إيراني".

ويعكس هذا التصريح حجم الإحباط الرسمي من تعنت الحزب الذي بدأ يفقد حلفاءه المحليين وغطاءه الوطني بسبب تغليب المصالح الإقليمية لطهران على مصلحة لبنان في تجنب الحرب والدمار.

ويدرك الحزب يدرك أن تجريده من السلاح يعني فقدان القدرة على "ترهيب" الخصوم الداخليين وحماية شبكة نفوذه التي توفر الوظائف والخدمات الصحية والتعليمية لبيئته الحاضنة.

وعلى الرغم من نتائج استطلاع الرأي الصادرة عن مؤسسة "غالوب" وأظهرت أظهر رغبة غالبية اللبنانيين في نزع سلاح الحزب، إلا أن حزب الله يستمر في وصف هذا المطلب بأنه "دعوة للإعدام".

وترى طهران أن أي تنازل في لبنان سيؤدي إلى "تأثير الدومينو" الذي قد يطال ميليشياتها في العراق واليمن، ما يعني انهيار مشروع "وحدة الساحات" بالكامل.

لذا، فإن الرهان الإيراني الحالي يعتمد على استنزاف الوقت واللعب على حافة الهاوية، معتبرة أن تهديدات "الخطة ب" الإسرائيلية (الحرب الشاملة) هي مجرد ضغوط نفسية لن تتحول إلى واقع بسبب الخوف من اشتعال جبهة إقليمية لا تستطيع واشنطن تحمل تبعاتها في عام الانتخابات.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech