أثار مشروع تقوده شركة ناشئة في كاليفورنيا موجة واسعة من الانتقادات بين علماء الفلك، بعد إعلان خططها لاستخدام مرايا فضائية عملاقة لعكس ضوء الشمس نحو الأرض خلال الليل، في خطوة وُصفت بأنها “مرعبة وكارثية” من الناحية العلمية والبيئية.
وتسعى الشركة، التي تُعرف باسم Reflect Orbital وأُسست عام 2021، إلى وضع نحو 4000 مرآة بحجم ملعب تنس في مدار منخفض حول الكوكب، بهدف إعادة توجيه أشعة الشمس إلى مناطق محددة على سطح الأرض بعد الغروب. وتقول الشركة إن مشروعها يمكن أن يوفر إضاءة ليلية طبيعية، ويتيح تمديد ساعات إنتاج الطاقة الشمسية، وتحسين الزراعة، وحتى تقليل الاعتماد على إنارة المدن.
وفي المرحلة الأولى، قدمت الشركة طلبًا رسميًا إلى لجنة الاتصالات الفيدرالية الأمريكية (FCC) لإطلاق أول أقمارها التجريبية، الذي يحمل اسم EARENDIL-1، والمقرر إطلاقه في أوائل عام 2026. وإذا نجحت التجارب الأولية، تخطط Reflect Orbital لإطلاق آلاف المرايا الإضافية بحلول عام 2030، وفقًا لما نقلته مواقع علمية متخصصة مثل Space.com وLive Science.
ويبلغ عرض المرآة الواحدة نحو 18 مترًا، وتغطي مساحة تقارب 325 مترًا مربعًا، ما يسمح لها بإضاءة بقعة أرضية يصل قطرها إلى خمسة كيلومترات، بسطوع يُقدر بأربعة أضعاف ضوء القمر الكامل. أما النسخ المستقبلية من المرايا، فقد تصل أقطارها إلى 54 مترًا، مما قد يجعلها أكثر قدرة على إنتاج بقع ضوئية ساطعة تمتد على مساحات أوسع.
ورغم وعود الشركة بإمكانية “توجيه المرايا بعيدًا عن الأرض عند عدم الحاجة إليها لتقليل التلوث الضوئي”، فإن العلماء يعتبرون هذه الوعود غير واقعية. إذ سيجعل مدارها المتزامن مع الشمس هذه المرايا تحلق باستمرار فوق خط الفاصل بين الليل والنهار، ما يعني أنها ستظل تعكس الضوء بشكل شبه دائم نحو مناطق مختلفة من الأرض.
انتقادات علمية واسعة لمشروع بيع ضوء الشمس
وصفت فيونا تومسون، الباحثة في جامعة درهام البريطانية والمتخصصة في أخلاقيات الفضاء، الفكرة بأنها “معيبة منذ البداية” من الناحية التقنية، مؤكدة أن احتمالات نجاحها ضعيفة بسبب التعقيدات الهندسية وصعوبة إدارة آلاف العاكسات في مدار مزدحم بالأقمار الصناعية. وسلطت تومسون الضوء على تجارب مشابهة فاشلة، أبرزها محاولة روسيا في تسعينيات القرن الماضي إطلاق عاكسين فضائيين ضمن مشروع “زناميا”، واللذان فشلا في الحفاظ على استقرارهما واحترقا لاحقًا في الغلاف الجوي.
وفيما يتعلق باستخدام المرايا لتوليد الطاقة الشمسية، أوضح خبراء في مواقع Big Think وThe Conversation أن كمية الضوء المنعكسة ستكون أضعف بآلاف المرات من ضوء النهار الطبيعي، ما يجعل فائدتها للطاقة محدودة للغاية، إذ يمكن للمرآة الواحدة أن تضيء نقطة واحدة لمدة لا تتجاوز أربع دقائق في كل دورة. وأضافوا أن التكلفة الإجمالية لمثل هذا النظام ستكون “باهظة إلى حد لا يُصدق” مقارنة بمصادر الطاقة المتجددة التقليدية.
من جانبها، وصفت سامانثا لولر، عالمة الفلك في جامعة ريجينا الكندية، المشروع بأنه “فكرة مروّعة بكل المقاييس”، متوقعة رغم ذلك أن تحصل الشركة على موافقة مبدئية لإطلاق القمر الأول، في ظل غياب أطر تنظيمية صارمة لمشاريع من هذا النوع. وحذر روبرت ماسي، نائب المدير التنفيذي للجمعية الفلكية الملكية في بريطانيا، من أن هذا المشروع “سيُحدث سابقة خطيرة”، إذ إنه يهدف عمدًا إلى زيادة التلوث الضوئي، على عكس الانعكاسات غير المقصودة التي تسببها أقمار شركات مثل SpaceX. وقال: “إذا أصبح إضاءة السماء هدفًا تجاريًا، فإننا نخاطر بتدمير علم الفلك البصري بالكامل”.
وحذر العلماء من أن انعكاسات الضوء المفاجئة من المرايا يمكن أن تُعمي المراقبين الفلكيين مؤقتًا، أو تُشتت انتباه الطيارين أثناء الإقلاع والهبوط، مما يرفع من احتمالات وقوع حوادث جوية. كما أن تغير مواضع المرايا بشكل غير متوقع يجعل من الصعب التنبؤ بمساراتها أو تجنب وهجها. وتشير دراسات سابقة إلى أن التلوث الضوئي لا يؤثر فقط على الرؤية الفلكية، بل يمتد ليغيّر أنماط سلوك الحيوانات، ويُربك النظم البيئية، ويؤثر على دورات النوم لدى البشر.
مخاطر تتجاوز السماء
إلى جانب القضايا العلمية، يخشى الخبراء من أن الحجم الكبير للمرايا يجعلها عرضة للتلف نتيجة اصطدامها بجزيئات الحطام الفضائي المنتشرة في المدار. ووفقًا للباحثة لولر، فإن “أصغر نيزك دقيق قد يخترق سطح المرآة بسهولة، مما يجعلها غير مستقرة وصعبة التحكم”. وإذا فقدت السيطرة، فقد تتحول إلى جسم يعكس الضوء عشوائيًا عبر السماء، في مشهد فوضوي يمكن رؤيته بالعين المجردة.
كما أن ازدحام المدار الأرضي المنخفض بعدد متزايد من الأقمار الصناعية يزيد من خطر الاصطدامات، في وقت تشير فيه التقديرات إلى أن عدد المركبات الفضائية النشطة يقترب بالفعل من الحد الأقصى الآمن للتشغيل. وفي نهاية عمرها التشغيلي، من المتوقع أن تسقط المرايا إلى الغلاف الجوي، مسببة تلوثًا معدنيًا إضافيًا عند احتراقها.
ورغم إعلان الشركة نيتها إجراء تقييم بيئي شامل لمخاطر المشروع، فإن هذا التقييم لن يبدأ إلا بعد إطلاق القمر الأول، وهو ما يعتبره العلماء خطوة متأخرة، لأن الأضرار قد تقع قبل صدور أي نتائج رسمية. وتلخص العالمة سامانثا لولر الموقف بقولها: “يكفي قرار من وكالة واحدة وشركة صغيرة تمتلك بضع ملايين من الدولارات لتغيير سماء الليل لكل إنسان على هذا الكوكب. وهذا أمر مرعب بحق”.
اقرأ أيضًا:
لماذا ترسل الصين 4 فئران إلى الفضاء؟
لماذا أصبح إعصار ميليسا رمزًا للعواصف الخارقة؟
ابتكار طبي جديد يحارب السرطان بالضوء













