logo alelm
إنجازات علمية ثورية ولكن لم تفُز بجائزة نوبل

مع حلول هذا الوقت من كل عام، يعيش كبار العلماء حول العالم حالة من الترقب المشوب بالتوتر، في انتظار إعلان أسماء الفائزين بجوائز نوبل في الطب أو الفيزياء أو الكيمياء، وهي الجوائز التي أوصى بها نوبل قبل أكثر من مئة عام، إلى جانب جائزتي السلام والأدب.

وتُعد نوبل بمثابة القمة التي يحلم كل باحث ببلوغها، لكن التكهن بالفائزين يظل مهمة شبه مستحيلة، إذ تبقى الترشيحات والوثائق الخاصة بعملية الاختيار طي الكتمان لخمسين عامًا كاملة. ومع أن قائمة المرشحين تظل سرية، إلا أن عالمنا لا يخلو من إنجازات علمية غيرت وجه الحياة، يرى الخبراء أنها جديرة تمامًا بجائزة نوبل.

وفيما يلي 5 من تلك الإنجازات العلمية التي استحقت نوبل ولكن لم تفز بها:.

أدوية السمنة والسكري

خلال السنوات الأخيرة، شهد الطب ثورة حقيقية بفضل تطوير عقاقير فعالة لمعالجة السكري من النوع الثاني والسمنة، وهي أدوية تعتمد على تقليد عمل هرمون يُعرف باسم الببتيد الشبيه بالجلوكاجون-1 (GLP-1). ويعاني أكثر من واحد من كل ثمانية أشخاص على وجه الأرض من السمنة، وهي نسبة تضاعفت منذ عام 1990. وتعمل هذه الأدوية على خفض مستويات السكر في الدم وكبح الشهية، ما يمنح الأطباء أدوات غير مسبوقة لعلاج السمنة ومضاعفاتها مثل السكري.

وقد حاز ثلاثة علماء، سفيتلانا موجسوف، وجويل هابينر، ولوتي بيير كنودسن، على جائزة لاسكر ديبكي للأبحاث الطبية السريرية لعام 2024 تكريمًا لدورهم في تطوير الدواء المعروف باسم سيماجلوتيد، الذي أحدث نقلة نوعية في هذا المجال. وأسهم كلا من موجسوف، أستاذ الكيمياء الحيوية في جامعة روكفلر، وهابينر، أستاذ الغدد الصماء في جامعة هارفارد، في تحديد وتصنيع هرمون GLP-1، بينما لعبت كنودسن، وهي كبيرة المستشارين في شركة “نوفو نورديسك”، الدور الأبرز في تحويل هذا الاكتشاف إلى دواء يستخدمه اليوم ملايين المرضى.

وفي أبريل الماضي، نال هؤلاء العلماء الثلاثة إلى جانب دانييل دراكر من جامعة تورنتو وجينز جول هولست من جامعة كوبنهاغن، جائزة “الاختراق العلمي” في علوم الحياة، التي يمنحها مارك زوكربيرغ وبريسيلا تشان وآخرون، تقديرًا لإسهامهم في هذا المجال الثوري.

الحوسبة الكمومية

يرى ديفيد بيندلبيري، رئيس وحدة تحليل الأبحاث في معهد “كلاريفيت” للمعلومات العلمية، أن الحوسبة الكمومية تقف اليوم على أعتاب استحقاق جائزة نوبل. ويقوم بيندلبيري بتحديد الباحثين الأكثر جدارة بالجائزة من خلال تتبع مدى استشهاد العلماء الآخرين بأبحاثهم الرائدة. ووفقًا لتحليله هذا العام، يبرز اسما الفيزيائيين ديفيد ب. دي فينسينزو من جامعة RWTH آخن الألمانية ودانيال لوس من جامعة بازل السويسرية، اللذين أسهما في تطوير مفهوم “الكيوبت”، الوحدة الأساسية لتخزين المعلومات في الحوسبة الكمومية.

وتُعد الورقة البحثية التي نشراها عام 1998 في مجلة Physical Review A من أكثر الدراسات تأثيرًا في هذا الحقل، إذ تجاوز عدد الاستشهادات بها عشرة آلاف مرة. وقد أسست هذه الرؤية لفكرة استخدام الكيوبت كعنصر رئيسي لبناء الحواسيب الكمومية. ويُضاف إلى هؤلاء الرواد الفيزيائي ديفيد دويتش من جامعة أكسفورد، أحد أوائل من وضعوا الأسس النظرية لهذا المجال، والحائز على جائزة Breakthrough لعام 2023 في الفيزياء الأساسية.

اكتشاف العلاج الفعال لمرض التليف الكيسي

قبل عامين فقط، أعلنت مؤسسة Make-A-Wish أن مرض التليف الكيسي لم يعد من الأمراض التي تُعد قاتلة تلقائيًا للأطفال، بفضل التقدم المذهل في علاجه. ويعود هذا الإنجاز إلى جهود ثلاثة علماء أحدثوا تحولًا جذريًا في فهم المرض وطريقة التعامل معه. فالبروفيسور مايكل جيه. ويلش من جامعة أيوا اكتشف كيفية عمل البروتين المسبب للمرض وما يطرأ عليه من خلل لدى المصابين به.

واستند باحثون آخرون إلى هذا الاكتشاف لتصميم أدوية تُصلح الخلل في البروتين، محولين المرض من مميت إلى مزمن قابل للعلاج. وقد لعب خيسوس (تيتو) غونزاليس في شركة “فيرتكس” دورًا رئيسيًا في تطوير نظام لفحص المركبات الدوائية الواعدة، بينما قاد بول نيغوليسكو، عالم الأحياء الخلوية في الشركة نفسها، الأبحاث السريرية اللاحقة. وفي سبتمبر 2025، منحت مؤسسة لاسكر هؤلاء العلماء الثلاثة جائزة ديبكي للأبحاث الطبية السريرية تقديرًا لإسهامهم التاريخي.

اكتشافات غيرت فهمنا لميكروبيوم الأمعاء

تضم أجساد البشر تريليونات الكائنات الدقيقة من بكتيريا وفيروسات وفطريات، تُعرف مجتمعة باسم الميكروبيوم البشري. وخلال العقدين الأخيرين، مكّنت تقنيات تحليل الجينات العلماء من دراسة هذا العالم الخفي وفهم دوره الحيوي في صحة الإنسان، لا سيما في الجهاز الهضمي. ويُعتبر العالم جيفري جوردون من جامعة واشنطن في سانت لويس من أبرز رواد هذا المجال. فقد قاد دراسات أظهرت أن الميكروبيوم المعوي يلعب دورًا محوريًا في النمو والتغذية، خصوصًا لدى الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، وهي مشكلة تمس نحو 200 مليون طفل عالميًا.

ويواصل جوردون وفريقه العمل على تطوير تدخلات غذائية جديدة تستهدف تحسين صحة الأمعاء وتعزيز التوازن الميكروبي. ويرى الخبراء أن هذا المجال بات ناضجًا بما يكفي ليحظى أخيرًا بتقدير لجنة نوبل.

ثورة تسلسل الحمض النووي للجيل القادم

يُعد مشروع رسم خريطة الجينوم البشري من أعظم الإنجازات العلمية الحديثة، إذ انطلق عام 1990 واكتمل عام 2003 بمشاركة آلاف الباحثين من أنحاء العالم، بهدف فك الشفرة الوراثية للحياة البشرية. وترك هذا المشروع أثرًا عميقًا في الطب والبيولوجيا والتقنيات الحيوية، غير أن لجنة نوبل لم تمنحه الجائزة بسبب القيود التي تتيح تكريم ثلاثة أشخاص فقط، في حين أن المشروع نتاج عمل جماعي ضخم.

لكن برأي بيندلبيري، يمكن للجنة أن تعترف بإنجازات ثلاثة علماء كان لهم دور مباشر في ابتكار تقنيات تسلسل الحمض النووي من الجيل التالي (NGS) وهم شانكار بالاسوبرامانيان وديفيد كلينرمان من جامعة كامبريدج، وباسكال ماير من جامعة ستراسبورغ. وأتاحت ابتكاراتهم تسلسل ملايين المقاطع الجينية في وقت واحد، ما خفّض زمن قراءة الجينوم الكامل من شهور إلى يوم واحد فقط، وتكلفته من ملايين الدولارات إلى بضع مئات. وقد أحدث هذا التحول ثورة في الطب والبيئة والعلوم الجنائية، وفتح الباب أمام الطب الشخصي الذي يُصمم فيه العلاج بناءً على البصمة الجينية لكل مريض.

اقرأ أيضًا:

“نوبل” تتراجع عن دعوة 3 دول لحضور حفل تسليم جوائزها.. لماذا؟

مرض نوبل.. الظاهرة الغريبة التي تصيب الفائزين بأرفع الجوائز العلمية

عبقريات نحتن أسماءهن في ذهب نوبل

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

محاصرة أسطول الصمود.. هكذا تحوّل إلى حملة رقمية قلبت العالم

المقالة التالية

فضل شاكر يسلّم نفسه للسلطات اللبنانية