logo alelm
لماذا تتردد الهند في التوقف عن شراء النفط الروسي؟

في خضم تصاعد التوترات الجيوسياسية العالمية، تجد الهند نفسها أمام معادلة دقيقة، هي الحفاظ على شراكتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة من جهة، وضمان استمرار تدفق النفط الروسي الرخيص الذي يدعم اقتصادها المتسارع من جهة أخرى.

لطالما سعت الهند إلى الحفاظ على موقعها كقوة عالمية متزنة، تعتمد على مزيج من الشراكات مع قوى دولية متعددة، إلا أن استمرارها في شراء النفط الروسي رغم العقوبات الغربية المفروضة على موسكو يثير جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والاقتصادية، خصوصًا في ظل ضغوط متزايدة من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

بين بوتين وترامب.. مودي في الوسط

يتولى رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي دورًا معقدًا في التوازن بين مصالح بلاده القومية ومتطلبات العلاقات الدولية، فعلى الرغم من صداقة معلنة بينه وبين ترامب، فإن الأخير بدأ مؤخرًا باستخدام مشتريات الهند من النفط الروسي كورقة ضغط ضمن معركة تجارية تهدد بإعادة صياغة العلاقات بين البلدين.

وقد تعهد ترامب في تصريحات متلفزة بفرض رسوم جمركية جديدة على المنتجات الهندية، مبررًا ذلك بعدم تجاوب نيودلهي مع المطالب الأمريكية بشأن التوقف عن استيراد النفط من موسكو، وألمح إلى أن استمرار الهند في شراء النفط من روسيا “يموّل القتل في أوكرانيا”، في تصريح لاقى انتقادات واسعة في نيودلهي.

لماذا تحتاج الهند إلى النفط الروسي؟

تُعد الهند ثالث أكبر مستهلك للنفط في العالم، بعد الولايات المتحدة والصين، ومع نمو عدد سكانها وتوسع طبقتها المتوسطة، يتزايد الطلب الداخلي على الوقود بشكل متسارع. وتستورد الهند حوالي 80% من احتياجاتها النفطية، ما يجعل من أي خصومات على أسعار النفط عاملًا حاسمًا في إدارة ميزانيتها العامة.

في هذا السياق، يأتي النفط الروسي كخيار مغرٍ لنيودلهي، فمنذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية وتقلّص الطلب الأوروبي على الخام الروسي، بدأت موسكو بعرض نفطها على شركاء جدد في آسيا بخصومات كبيرة، واستغلت الهند الفرصة لتأمين إمدادات طاقة بأسعار منخفضة، تُسهم في تقليل الضغط على الاقتصاد المحلي.

وبحسب بيانات من شركة “كبلر” للاستخبارات التجارية، مثّل النفط الروسي نحو 36% من إجمالي واردات الهند في النصف الأول من هذا العام، ما يجعل موسكو أكبر مورد للطاقة للبلاد.

انهيار محادثات التجارة بين الهند والولايات المتحدة

في موازاة أزمة النفط، كانت هناك محاولة لعقد اتفاق تجاري شامل بين الهند والولايات المتحدة، إلا أن هذه المحادثات انهارت بشكل مفاجئ بعد خمس جولات تفاوضية.

كان المسؤولون الهنود متفائلين بإمكانية التوصل إلى اتفاق تاريخي، خاصة بعد أن قدموا تنازلات مهمة، مثل تخفيض الرسوم الجمركية على بعض السلع الأمريكية، وزيادة وارداتهم من الطاقة والدفاع من واشنطن، لكن البيت الأبيض رأى أن هذه التنازلات غير كافية، واعتبر أن نيودلهي لم تقدم عرضًا يرقى لمستوى الطموحات الأمريكية.

وأكدت مصادر مطلعة أن سوء التقدير السياسي من جانب الطرفين لعب دورًا كبيرًا في إفشال الاتفاق، فقد كانت الهند تتوقع إعلانًا وشيكًا من ترامب، لكن الأخير قرر بدلًا من ذلك فرض رسوم جمركية بنسبة 25% على السلع الهندية، وسط تكهنات بأنه يسعى إلى صفقة أكثر إثارة إعلاميًا.

ويبدو أن العلاقة الشخصية بين ترامب ومودي، والتي لطالما وُصفت بالودية، لم تكن كافية لتمرير الاتفاق، خاصة في ظل غياب تواصل مباشر بين الزعيمين في اللحظات الحاسمة من المفاوضات.

محدودية البدائل النفطية

الخيارات المتاحة أمام الهند ليست كثيرة، فقد فُرضت عليها قيود أمريكية سابقًا تمنعها من استيراد النفط من إيران وفنزويلا، وهما من الموردين التقليديين لها، وبالنسبة لمصادر أخرى مثل الخليج، فهي أعلى تكلفة مقارنةً بما تقدمه روسيا.

كما أن منظمة أوبك لا تملك طاقة إنتاجية احتياطية تكفي لتعويض فجوة تصل إلى 3.4 ملايين برميل يوميًا، وهو ما يعني أن أي انسحاب هندي مفاجئ من السوق الروسية سيؤدي إلى اختلال كبير في الأسعار العالمية، قد يصل تأثيره إلى المستهلك الأمريكي ذاته.

ومن المفارقات، أن بعض النفط الروسي الذي تكرره الهند يُعاد تصديره إلى دول غربية، بما في ذلك الولايات المتحدة نفسها، في صورة منتجات مكررة لا تشملها العقوبات.

شراكة معقدة وعلاقات ممتدة

إن العلاقات بين موسكو والهند لا تقتصر على صفقات الطاقة فقط، بل تعود إلى عقود من التعاون السياسي والعسكري، فمنذ الحرب الباردة، كانت روسيا (أو الاتحاد السوفيتي حينها) داعمًا رئيسيًا لنيودلهي، خصوصًا في ظل توتر العلاقات مع باكستان.

وحتى اليوم، تبقى روسيا المزود الأول للأسلحة لـ الهند، ما يجعل انفكاك نيودلهي عن موسكو أمرًا معقدًا للغاية من الناحيتين الأمنية والسياسية.

يمكنك أن تقرأ أيضًا:

خطوة روسية تنذر بسباق تسلح نووي جديد وتصعيد في أوروبا

ظهور شكوك جديدة حول اختلال قدرات ترامب العقلية

إنفوجرافيك| تراجع حاد في اتفاقيات السلام عالميًا

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

عقوبات ترامب على روسيا.. سلاح يرتد على أمريكا

المقالة التالية

إنفوجرافيك| فيروس شيكونغونيا يعيد جنوب الصين لعصر “كورونا”