يشهد العالم اليوم تحولاً جذرياً في المشهد التقني، حيث يدفع التطور السريع للذكاء الاصطناعي نحو سباق عالمي محموم على القوة الحاسوبية. تنخرط شركات التكنولوجيا الكبرى في بناء متسارع لما يُعرف بـ أنظمة الحوسبة الفائقة للذكاء الاصطناعي، أو مجموعات وحدات معالجة الرسومات (GPU clusters)، أو مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي الضخمة. يتم تزويد هذه الأنظمة بأعداد متزايدة من الرقائق المتخصصة، الضرورية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي الأكثر تقدماً. حتى منتصف عام 2025، تشير البيانات إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية قد أحكمت قبضتها على الصدارة، مع استثمار شركاتها التقنية الكبرى مليارات الدولارات في بنى تحتية ضخمة لضمان تفوقها التنافسي.
وفقاً لبيانات “Epoch AI”، تهيمن الولايات المتحدة بشكل لافت على قائمة أقوى 20 نظام حوسبة فائقة للذكاء الاصطناعي على مستوى العالم اعتباراً من منتصف عام 2025. يتصدر هذه القائمة نظام “xAI Colossus Memphis Phase 2” التابع لشركة “xAI”، والذي يتمتع بقوة حاسوبية هائلة تعادل 200,000 وحدة من رقائق H100 — وهو ما يمثل ضعف حجم أقرب منافسيه. هذه القدرة الفائقة لـ “Colossus” تترجم إلى إمكانية تنفيذ 20.6 عملية على مقياس القاعدة 10 للعمليات غير المتفرقة، أي أكثر من 400 كوينتيليون عملية في الثانية. هذا يعني، نظرياً، قدرة على تدريب نموذج OpenAI GPT-3 لعام 2020، والذي يستغرق عادةً أسبوعين، في أقل من ساعتين فقط.
تعزز أنظمة الحوسبة الفائقة لا يقتصر هذا السباق المثير على “xAI” فحسب، بل يشهد أيضاً استثمارات ضخمة من قبل عمالقة التكنولوجيا الآخرين الذين يوسعون قدراتهم بشكل مطرد. تأتي أنظمة كبرى مثل “Meta 100k” التابعة لشركة “Meta AI”، و”Goodyear Arizona” المشتركة بين “Microsoft” و”OpenAI”، بالإضافة إلى “Oracle OCI Supercluster H200s”، في المراتب التالية، حيث تضم هذه أنظمة الحوسبة الفائقة أعداداً من وحدات معالجة الرسومات تتراوح بين 65,536 و100,000 وحدة. كما تبرز في القائمة أنظمة قوية أخرى مثل “Tesla Cortex Phase 1″، و”Lawrence Livermore NL El Capitan Phase 2” التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، بالإضافة إلى أنظمة حوسبة فائقة من “CoreWeave H200s” و”Lambda Labs”.
على الرغم من التفوق الأمريكي الواضح، تظهر الصين كلاعب مهم في هذا السباق، حيث تضم القائمة “نظاماً صينياً مجهول الهوية” بقدرة تعادل 30,000 وحدة H100، مما يؤكد سعيها الحثيث للمنافسة في هذا المجال الاستراتيجي.
تجدر الإشارة إلى الغياب الملحوظ لشركات تكنولوجية عملاقة مثل جوجل وأمازون عن هذه التصنيفات العلنية. يُعزى هذا على الأرجح إلى عدم كشفهما عن تفاصيل كافية حول بنيتهما التحتية لأجهزة الذكاء الاصطناعي، مما يسلط الضوء على الطبيعة شديدة التنافسية والسرية التي تحيط بسباق تطوير أنظمة الحوسبة الفائقة للذكاء الاصطناعي.
مع استمرار التطور السريع لنماذج الذكاء الاصطناعي، أصبح امتلاك أنظمة الحوسبة الفائقة الضخمة أمراً حتمياً للابتكار وتحقيق الريادة. يعكس هذا السباق المحموم بين الدول والشركات الكبرى إدراكاً عميقاً بأن المستقبل الاقتصادي والتقني، وربما الجيوسياسي، سيتحدد بشكل كبير بمن يمتلك القدرة الأكبر على معالجة البيانات وتدريب الأجيال القادمة من الذكاء الاصطناعي. هذا التنافس يشكل محوراً رئيسياً في المشهد التكنولوجي العالمي، ويعد بمزيد من التطورات والقفزات النوعية بفضل هذه أنظمة الحوسبة الفائقة المتطورة.