رغم كونها أكبر شركة تقنية في العالم وتنافس عمالقة مثل Sony وMicrosoft في فئات منتجات متعددة كالهواتف الذكية والأجهزة اللوحية، إلا أن Apple امتنعت عن الدخول بقوة في سوق الألعاب.
في وقت تصدر فيه Sony جهاز PlayStation وتطلق Microsoft جهاز Xbox، لم تقدم Apple أبداً جهاز ألعاب حديثاً، مما ترك العديد من المراقبين يتساءلون عن الأسباب وراء هذا الغياب الملحوظ.
هذا التساؤل يصبح أكثر إلحاحاً عندما ندرك أن سوق الألعاب يُقدر بأكثر من 200 مليار دولار، وأن أجهزة الألعاب هي في الأساس أجهزة كمبيوتر، وApple شركة متخصصة في صناعة الكمبيوتر. فما الذي يمنع Apple من إطلاق نظام ألعاب خاص بها؟
أحد أهم الأسباب وراء عدم دخول Apple سوق الألعاب بقوة يكمن في النموذج التجاري المتضارب. Apple تفضل بيع أجهزة باهظة الثمن بشكل متكرر كل عام، بينما أجهزة الألعاب تُباع مرة واحدة كل بضع سنوات في دورة الكونسول.
هذا النموذج “لا يتماشى أبداً مع ما تفعله Apple” كما يوضح الخبراء، حيث تحب الشركة بيع الأجهزة المكلفة والقيام بذلك بانتظام، وليس مرة واحدة كل عدة سنوات.
السوق مُهيمن عليه بالفعل من قِبل ثلاثة لاعبين رئيسيين: Sony وMicrosoft وNintendo، والذين يملكون قواعد جماهيرية مخلصة راسخة.
هذا جعل من شبه المستحيل لأي نظام ألعاب جديد تحقيق أي مستوى من النجاح. علاوة على ذلك، Apple تواجه “عدم شعبية عالية في مجتمع الألعاب”، حيث أن أجهزة Mac ليست مصممة للألعاب، ونظام iOS ليس ودوداً مع المحاكيات.
الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو أن Apple تحقق أرباحاً ضخمة من الألعاب المحمولة دون الحاجة لدخول سوق الكونسولات.
وفقاً للتقارير، حققت Apple 8.5 مليار دولار من عائدات الألعاب في 2019، وهو رقم يُزعم أنه أعلى من عائدات Microsoft وSony وNintendo مجتمعين.
هذا المبلغ الضخم يأتي من العمولة بنسبة 30% التي تأخذها من جميع المبيعات في متجر التطبيقات، بالإضافة إلى خدمة Apple Arcade.
من الناحية التقنية، تواجه Apple عدة تحديات جوهرية. المطورون لا يستطيعون استخدام APIs المعيارية مثل DirectX أو Vulkan، ويُجبرون على استخدام Metal فقط إذا أرادوا الحصول على أفضل أداء لأجهزة Apple. هذا يجعل عملية نقل الألعاب إلى Mac معقدة ومكلفة، خاصة وأن “Apple تختار عدم جعل مجموعة الأدوات ودية للاعبين وتمنع قانونياً الآخرين من فعل الشيء نفسه”.
تعيش Apple في دائرة مفرغة مع الألعاب: قلة الألعاب تعني قلة اللاعبين، مما يؤدي إلى عدم اهتمام المطورين بصنع ألعاب لمنصة Apple. هذا ما يُعرف بمشكلة “البيضة والدجاجة” في صناعة الألعاب، حيث أن المطورين والناشرين يهدفون للوصول لأوسع جمهور ممكن، مما يعني “إعطاء الأولوية للاعبي PC على مستخدمي Apple للأسف”.
مثال واضح على هذا التحدي هو قرار Valve، الشركة وراء منصة Steam الشهيرة، بإيقاف الدعم لـ Counter-Strike 2 على Mac، مبررة ذلك بعدد غير كافٍ من لاعبي Mac المتفاعلين مع اللعبة.
في تطور مفاجئ، تشهد استراتيجية Apple للألعاب 2025 تحولاً كبيراً مع تقديم تطبيق Games منفصل، وهو بديل أكثر طموحاً لـ Game Center، مصمم ليكون مركزاً موحداً لإطلاق الألعاب واكتشاف العناوين وعرض قوائم المتصدرين وربط اللاعبين.
التطبيق الجديد، الذي سيأتي محملاً مسبقاً على iPhone وiPad وMac وApple TV في أواخر 2025، يهدف إلى:
من المثير للانتباه أن Apple تخطط للإعلان عن التطبيق الجديد في مؤتمر المطورين WWDC في يونيو، بعد أيام قليلة من إطلاق Nintendo المتوقع لـ Switch 2. هذا التوقيت يشير إلى أن Apple تستهدف شريحة من سوق الألعاب البالغ 184 مليار دولار.
العلاقة المتوترة مع Epic Games تمثل عقبة كبيرة أمام Apple. النزاع القانوني الذي بدأ عام 2020 حول سياسات متجر التطبيقات وعمولة Apple البالغة 30% أدى إلى إزالة Fortnite من iOS، مما حرم Apple من واحدة من أكبر الألعاب شعبية في العالم.
هذا النزاع حرم Apple أيضاً من Unreal Engine، الذي يدعم macOS، ومن ألعاب شهيرة أخرى مثل Fall Guys وRocket League التي طورتها Epic أو شركاتها التابعة.
واحد من أكبر التحديات التي تواجه Apple هو تاريخها في “الصراخ مثل الذئب” فيما يتعلق بالألعاب. الشركة روجت لأجهزتها كصديقة للألعاب لسنوات، وأشادت بـ iPad mini وMacBook Pros للألعاب عالية الأداء، لكن هذه الجهود كانت “متقطعة” وغير مستمرة.
مشكلة أساسية أخرى هي أن “معظم مستخدمي Mac يختارون أجهزتهم للعمل أو الأغراض التعليمية، مع كون الألعاب اعتباراً ثانوياً”. هذا يجعل الاستثمار في تطوير ألعاب لـ Mac أقل جاذبية من الناحية التجارية.
يرى الخبراء أنه “إذا كانت Apple تريد، يمكنها دخول عالم الألعاب AAA وستؤدي أداءً جيداً فيه”. لديها الموارد والأموال، وستحتاج فقط لبضع سنوات لجذب بعض المطورين ووضع برنامج لتسهيل عمل المطورين معها.
الاستحواذ على RAC7 Games، المعروفة بـ Sneaky Sasquatch في Apple Arcade، يُظهر التزام Apple بالاستثمار في المحتوى الحصري. هذا النهج، إذا توسع ليشمل استوديوهات أكبر وألعاب AAA، قد يغير الوضع جذرياً.
Apple تحتاج إلى “إعادة بناء الروابط مع Epic Games” والشركات الكبرى الأخرى في صناعة الألعاب. هذا قد يتطلب تغييرات في سياسات متجر التطبيقات وعمولة Apple، وهو ما بدأت تفعله جزئياً في الاتحاد الأوروبي.
أجهزة Apple الحديثة، خاصة تلك المدعومة بـ Apple Silicon، تملك قوة حاسوبية هائلة. كما يشير أحد الخبراء: “Nintendo Switch أضعف بمراحل من أي iPhone حديث من ناحية القوة الخام، لكنه يحتوي على ألعاب Nintendo وساحة indie نابضة بالحياة ويحصل على العديد من إصدارات AAA”.
عدم دخول Apple سوق الألعاب بقوة يعود لأسباب معقدة تتراوح بين النموذج التجاري والمنافسة الشديدة والتحديات التقنية. لكن مع الجهود الحديثة مثل Game Porting Toolkit واستراتيجية 2025 الجديدة، قد نشهد تغييراً حقيقياً في موقف Apple.
النجاح سيتطلب التزاماً طويل المدى من Apple، وليس مجرد جهود متقطعة. كما يحتاج الأمر إلى استثمارات كبيرة في المحتوى الحصري وتحسين العلاقات مع المطورين وحل المشاكل التقنية الأساسية.