الطائرات المسيّرة تصنع معادلة جديدة للنفوذ الجوي

ديسمبر ٣٠, ٢٠٢٥

شارك المقال

الطائرات المسيّرة تصنع معادلة جديدة للنفوذ الجوي

خلال العقدين الأخيرين، تحوّل مفهوم القوة الجوية بشكل جذري، فلم يعد مرتبطًا بعدد الطائرات المقاتلة أو تدريب الطيارين المكثف، بل بكيفية استغلال التقنية لتحقيق الأهداف العسكرية بأقل تكلفة بشرية وسياسية. وأصبحت الطائرات المسيّرة "الدرونز" إحدى أدوات هذا التحوّل.

المسيّرات وقاعدة الـ 3D

في خضم التطور التقني المتسارع، باتت الطائرات المسيّرة "الدرونز" أحد أبرز وجوه الثورة العسكرية والمدنية الحديثة، ليس فقط لأسباب تتعلق بالدقة أو الكفاءة، بل أيضًا لأنها تقوم بما يُعرف في مجال التقنية والدفاع بـ قاعدة الـ 3Ds وهي: المهام المملة (Dull)، والمهام القذرة (Dirty)، والمهام الخطرة (Dangerous)، وهي تلك المسؤوليات التي يفضل البشر تجنبها أو لا يستطيعون تنفيذها بأمان أو فاعلية.

وتوضح التقارير المتخصصة أن أنظمة الطائرات المسيّرة كانت منذ نشأتها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بأدوار تعتبر “أكثر منطقية” للآلات من الأفراد، وقد استُخدمت في البداية خصوصًا من قبل الجيوش لتنفيذ مهام الاستطلاع والمراقبة التي تتطلب ثباتًا في الجو لفترات طويلة، وهو ما يصعب على الطيارين البشريين الحفاظ عليه دون إرهاق أو تشتت.

إلى جانب ذلك، تُعد هذه الطائرات أداة فعّالة في البيئات القذرة غير الصالحة أو الخطرة، مثل المناطق الملوثة إشعاعيًا أو الكيميائيًا، أو في مناطق الكوارث الكبرى، حيث يكون تعرض البشر لمخاطر جسيمة. فقد نشرت متاحف الطيران الخاصة أن الطائرات المسيّرة يمكنها الوصول إلى أماكن خطرة بكفاءة، مثل الحطام الملوث أو المناطق التي تنهار فيها البنية التحتية، دون تعريض حياة المشغلين للخطر.

ومن الناحية العملية، ينعكس مفهوم الـ 3Ds في الاستخدامات العسكرية والمدنية على حد سواء، فالمهام المملة قد تشمل المراقبة الأرضية أو الجوية المستمرة، والمهام القذرة تشمل فحص المواقع الملوثة أو التعامل مع بقايا الحوادث البيئية، في حين أن المهام الخطرة تشمل التحليق فوق مواقع الاشتباك أو التضحية بالآلات بدلًا من البشر في سيناريوهات تهدد الحياة. Tech.co

ولا تقتصر هذه الاستراتيجية على الدفاع فقط، بل امتدت إلى تطبيقات بحثية مدنية في الزراعة، والبنية التحتية، والاستجابة للكوارث، ما يعكس الاعتراف المتزايد بمدى فاعلية الأنظمة غير المأهولة في القيام بوظائف قد يبدو لدى البشر إما غير مرغوبة أو محفوفة بالمخاطر.

الحرب بلا ضحايا بشرية

في الصراع المعاصر، لم تعد المعادلة التقليدية في الحروب تعتمد فقط على قوة الأسلحة أو حجم الجنود، بل على القدرة على تقليل الخسائر البشرية التي تشكل عبئًا سياسيًا على القادة والدول. أحد أبرز الأمثلة على هذا التحوّل هو الاعتماد المتزايد على الطائرات المسيرة (Drones)، التي تقدم للسلطات خيارًا عسكريًا «نظيفًا» سياسيًا من دون أعباء خسارة الطيارين في ساحة المعركة.

في الحروب التقليدية، تعتبر خسارة الجندي أو الطيار في ميدان القتال حدثًا حساسًا يثير اهتمام الرأي العام ويؤدي أحيانًا إلى ضغوط سياسية قوية على القادة لإيقاف العمليات أو إعادة النظر في الاستراتيجية. أما الطائرات المسيرة، فهي تُدار عن بُعد وتُنفَّذ العمليات من مراكز قيادة آمنة، مما يعني أن الخسائر الناتجة عن إسقاطها تُحصى عادةً في تكلفة مادية فقط وليس في أرواح بشرية، وهو عامل يقلل بشكل كبير ما يعرف بـ"الثمن السياسي للحرب".

وتشير البحوث حول هذا الموضوع إلى أن أحد الدوافع الرئيسية لاعتماد الأنظمة غير المأهولة هو التقليل من المخاطر على القوات البشرية وتقليل الضغط الشعبي الذي يرافق فقدان الأرواح العسكرية، بينما تظل الخسائر المادية مقبولة نسبيًا ضمن ميزانيات الحرب.  لكن هذه الميزة ليست محصورة في الجانب السياسي وحده. فالاعتماد على تقنية الطائرات المسيرة يمكن أن يعيد تشكيل قرارات القادة حول متى وكيف يتدخلون عسكريًا، لأن الحكومة تكون أقل عرضة لانتقادات بسبب سقوط جنود مقارنة بخيارات حرب تقليدية تتطلب تضحيات بشرية أكبر.

الدرونز.. قوة جوية رخيصة

في العقود الماضية، كان امتلاك قوة جوية فعّالة مرادفًا لإنفاق مليارات الدولارات على طائرات مقاتلة مثل F‑16 وتدريب طيارين لسنوات طويلة في أجواء معقدة ومتطلبة. لكن السنوات الأخيرة شهدت تحوّلًا نوعيًا في مفهوم القوة الجوية، بفضل انتشار الطائرات المسيرة التجارية منخفضة التكلفة التي قلّصت بشكل جذري الحواجز أمام الدخول في ساحة الصراع من الجو.

وتُظهر التحولات في تقنيات الطائرات بدون طيار كيف أصبحت هذه المنصات متاحة ليس فقط للدول المتقدمة، بل أيضًا للدول الفقيرة والجهات غير الحكومية والميليشيات، التي بات بإمكانها اقتناء أو تعديل مسيرات تجارية بآلاف الدولارات لتؤدي مهام استطلاع وهجمات دقيقة دون الحاجة إلى برامج طيران مكلفة أو بنى تحتية عسكرية ضخمة.

وقبل عقد من الزمن، كانت الطائرات المسيرة المتقدمة رمز الهيمنة التقنية للدول الكبرى، لكن الطائرات الرباعية المزودة بكاميرات وقدرات هجومية بسيطة أصبحت تُستخدم في ساحات القتال الحديثة، من أوكرانيا إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ما ساهم في تفكيك الهيمنة التقليدية على المجال الجوي. ويرى محللون أن هذا التحوّل في التقنية اللاسلكية وبتكلفة معقولة يشكل ثورة في الحروب غير المتكافئة، إذ يعيد توزيع القدرة الجوية من الدول وحدها إلى مجموعة واسعة من الفاعلين، مما يزيد من تعقيد المشهد الأمني الدولي ويطرح تحديات جديدة أمام نظم الدفاع الجوي التقليدية.

اقرأ أيضًا:

أغرب استخدامات "الدرونز"

الدرونز.. سيناريوهات مظلمة لعصر المسيّرات

تطور المسيرات.. من البالونات حاملة المتفجرات إلى الأسراب الذكية

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech