logo alelm
الموت الرحيم.. الأسباب والدوافع وراء اتخاذ القرار

يُعد الموت الرحيم أو الانتحار بمساعدة الطبيب من أكثر المواضيع إثارة للجدل والحساسية في الطب والمجتمع الحديث. وفي حين أن عددًا قليلاً فقط من الدول حول العالم قد شرّعت هذه الممارسة، إلا أن النقاش حولها يتزايد عالميًا، مدفوعًا بالتطورات الطبية التي تطيل عمر الإنسان، والتساؤلات العميقة حول جودة الحياة والحق في الموت بكرامة. ويخلق هذا القرار، الذي يهدف إلى إنهاء حياة شخص ما لتخفيف معاناته المستعصية، حالة من التقاطع المعقد بين الأخلاق والقانون والطب والإنسانية.

ويكشف تحليل أسباب طلبات الموت الرحيم، والدول التي تسمح به، والحجج المؤيدة والمعارضة له، عن مدى تعقيد هذه القضية التي لا تزال تثير انقسامًا حادًا في المجتمعات.

لماذا يُقدم المرضى على الموت الرحيم؟

خلافًا للاعتقاد الشائع بأن الألم الجسدي الذي لا يطاق هو السبب الوحيد وراء اتخاذ قرار القتل الرحيم، تُظهر دراسة أن دوافع طلب الموت الرحيم أكثر تعقيدًا. فوفقًا لمراجعة منهجية نشرتها المكتبة الوطنية للمعاهد الوطنية للصحة في الولايات المتحدة، وشملت 197 ورقة بحثية، فإن الحالات الطبية الأكثر شيوعًا في هذه الطلبات هي السرطان في مراحله النهائية (45.4%)، يليه كل من مرض الزهايمر والخرف والمعاناة الجسدية أو النفسية المستمرة التي لا تطاق (19.8% لكل منهما).

لكن دراسة أخرى معمقة كشفت أن الأعراض المرتبطة بالمرض كانت السبب الأول أو الثاني لدى 59.8% فقط من المرضى. في المقابل، كان “فقدان الاستقلالية” (52.7%) و”فقدان القدرة على الاستمتاع بالأنشطة” (49.1%) من بين الأسباب الرئيسية أيضًا. ومن المثير للاهتمام أن المرضى الذين تم تقييمهم على أنهم مؤهلون لكنهم لم يمضوا قدمًا في الإجراء، كانوا أكثر ميلًا لذكر “الخوف من المعاناة المستقبلية” كسبب رئيسي. وهذا يشير إلى أن طلب الموت الرحيم لا يتعلق فقط بالألم الحالي، بل بالخوف من فقدان السيطرة على الحياة والكرامة في المستقبل.

ومن بين الأسباب الأخرى هي الأعراض الجسدية المنهكة، إذ يعاني الكثير من المصابين بأمراض عضال من ظروف جسدية قاسية تؤثر بشكل كبير على جودة حياتهم، مثل سلس البول، والغثيان والقيء المستمر، وصعوبة التنفس، والشلل، وصعوبة البلع. إلى جانب العوامل النفسية مثل: الاكتئاب. والخوف من فقدان السيطرة على وظائف الجسم أو فقدان الكرامة الإنسانية، والشعور بأن الشخص أصبح عبئًا على عائلته ومقدمي الرعاية، عدم الرغبة في الاعتماد على الآخرين في تلبية أبسط الاحتياجات اليومية.

أنواع الموت الرحيم

هناك فرق بين الموت الرحيم الفعلي، الذي يتضمن استخدام مواد قاتلة لإنهاء حياة الشخص، والموت الرحيم السلبي، الذي يتم فيه منع العلاجات المساعدة على الحياة. كما يتم تصنيفه بناءً على الموافقة:

الموت الرحيم الطوعي: يتم بموافقة المريض الواعية والمستنيرة.

الموت الرحيم غير الطوعي: يتم لشخص غير قادر على إعطاء الموافقة (مثل شخص في غيبوبة)، بناءً على قرار من الأقارب أو الأوصياء.

الانتحار بمساعدة الطبيب: يقوم الطبيب بتوفير الوسائل اللازمة للمريض لينهي حياته بنفسه.

الحجج المؤيدة والمعارضة للموت الرحيم

يدور حول الموت الرحيم جدل أخلاقي وقانوني عميق. فالمؤيدون له يستندون إلى حجج مثل “حرية الاختيار”، حيث يرون أن لكل فرد الحق في اتخاذ قراره بنفسه. كما يركزون على مفهوم “جودة الحياة”، وأن الفرد وحده هو من يستطيع تقييم حجم معاناته. بالإضافة إلى ذلك، هناك حجة “الكرامة”، التي تنص على أن كل فرد يجب أن يكون قادرًا على الموت بكرامة.

في المقابل، يستند المعارضون إلى حجج قوية أيضًا. فمن الناحية المهنية، يتعارض الموت الرحيم مع قسم أبقراط الذي يؤديه الأطباء، والذي يتعهدون فيه بعدم إعطاء دواء مميت. ومن الناحية الأخلاقية والدينية، تعتبره العديد من الأديان شكلاً من أشكال الموت، وترى أنه يضعف احترام المجتمع لقدسية الحياة. كما أن هناك مخاوف من “المنحدر الزلق”، حيث قد تبدأ الممارسة بالمرضى الميؤوس من شفائهم ثم تتوسع لتشمل فئات أخرى، بالإضافة إلى صعوبة تحديد “أهلية” المريض لاتخاذ مثل هذا القرار، خاصة في وجود حالات مثل الاكتئاب.

خريطة الدول المؤيدة للموت الرحيم في العالم

على الرغم من الجدل، فقد شرّعت عدة دول الموت الرحيم أو الانتحار بمساعدة الطبيب. كانت سويسرا من أوائل الدول في عام 1942 (بشرط ألا يكون الدافع أنانيًا). وفي عام 2002، انضمت هولندا وبلجيكا إلى القائمة.

وتشمل الدول الأخرى التي تسمح به كندا، وكولومبيا، ولوكسمبورغ، وإسبانيا، وأستراليا، ونيوزيلندا. وفي الولايات المتحدة، يُعد قانونيًا في عشر ولايات بالإضافة إلى واشنطن العاصمة، حيث كانت ولاية أوريغون هي الأولى التي أقرت “قانون الموت بكرامة” في عام 1997. ولا يزال النقاش مفتوحًا في دول أخرى مثل فرنسا وألمانيا وأيرلندا، مما يشير إلى أن هذه القضية ستظل في صميم النقاشات المجتمعية في المستقبل.

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

إنفوجرافيك| المدينة الإنسانية.. محاولة تهجير الفلسطينيين الأحدث

المقالة التالية

بينها مد العمل ببرنامج الرهن الميسر.. قرارات مجلس الوزراء اليوم