يظل زواج الأقارب في السعودية ظاهرة اجتماعية راسخة، حيث يمثل جزءًا من العادات والتقاليد المتوارثة لدى شريحة واسعة من المجتمع، إلا أن هذا الإرث الثقافي يصطدم بتحذيرات طبية متزايدة من مخاطره الصحية، مما يضع المجتمع أمام تحدي الموازنة بين التقاليد ومتطلبات الصحة العامة.
تتباين الإحصاءات بشكل لافت للنظر عند الحديث عن نسبة زواج الأقارب في السعودية، فبينما تشير تقارير دولية إلى معدلات محددة، يؤكد خبراء محليون أن النسب قد تكون أعلى بكثير على أرض الواقع، خاصة في بعض المناطق.
وفقًا لتقرير صادر عن موقع “worldpopulationreview” لعام 2024، تبلغ نسبة زواج الأقارب في السعودية 38.9%، ويضع هذا التقرير المملكة في المرتبة الرابعة خليجيًا بعد الكويت (54.3%) وقطر (54%) والإمارات (50.5%).
في المقابل، يقدم خبراء من الداخل صورة أكثر قلقًا، ففي حوار مع صحيفة “اليوم” نُشر في نوفمبر 2023، أكد الدكتور زهير رهبيني، استشاري طب الأطفال والطب الوراثي والمتحدث الرسمي للجمعية السعودية للطب الوراثي، أن الدراسات العلمية المحلية أثبتت أن نسبة زواج الأقارب في السعودية تقارب 60%، بل وتصل إلى 90% في بعض المحافظات والقرى.
وأرجع “رهبيني” استمرار هذه النسب المرتفعة إلى قوة العادات والتقاليد التي تتفوق على حملات التوعية الصحية.
يحذر المختصون من أن المخاطر الصحية المرتبطة بظاهرة زواج الأقارب في السعودية حقيقية وملموسة، وتتجلى بشكل أساسي في زيادة احتمالية ظهور الأمراض الوراثية النادرة.
ويوضح الدكتور رهبيني أن هناك 17 مرضًا وراثيًا من أمراض التمثيل الغذائي الشائعة في المملكة يتم الكشف عنها ضمن البرنامج الوطني لفحص المواليد، ويعتبر زواج الأقارب عاملاً رئيسيًا في ظهورها.
ومن جانبه، يقدم الدكتور عيسى فقيه، استشاري طب الأطفال والأمراض الوراثية، رؤية إضافية ، موضحًا أن “زواج الأقارب عامل مساعد وليس عاملاً أساسيًا” في كل الأمراض الوراثية، مشيرًا أن دوره يتركز بشكل خاص في “الأمراض الجينية” التي تنتقل بالوراثة المتنحية، حيث يحمل الأبوان السليمان جينًا معيبًا وينقلانه معًا للطفل.
وتدعم الإحصاءات الدولية هذه التحذيرات؛ إذ تربط المنظمات الصحية الدولية بين زواج الأقارب وزيادة مخاطر الإصابة باضطرابات وراثية مثل استسقاء الرأس، وعيوب الأنبوب العصبي، وأمراض القلب الخلقية، والتشوهات الجسدية.
وتكتسب هذه المخاطر بعدًا أكثر خطورة عند النظر إلى بيانات وزارة الصحة السعودية، التي تفيد بأن 75% من الأمراض النادرة تصيب الأطفال، وأن 30% من هؤلاء الأطفال المصابين يموتون قبل بلوغهم سن الخامسة.
تتطلب مواجهة التحديات الصحية الناتجة عن زواج الأقارب في السعودية تضافر جهود متعددة تجمع بين الإجراءات الحكومية والتوعية المجتمعية، ويؤكد الخبراء أن الحل لا يكمن في المنع، بل في التمكين المعرفي والطبي.
وتشمل الإجراءات التي يمكن من خلالها الحد من الظاهرة: