في شقة فاخرة بحي الدفاع في كراتشي، وسط صمت مطبق امتد لتسعة أشهر، انطفأت شمعة حياة حميراء أصغر علي، الممثلة الباكستانية الشابة التي لم تتجاوز الثانية والثلاثين من عمرها.
لم تكن وفاتها مجرد خبر عادي، بل قصة مأساوية تكشف عن وحدة قاتلة وعزلة اجتماعية أودت بحياة فنانة واعدة، تُركت وحيدة تواجه مصيرها في صمت مطبق.
وُلدت حميراء أصغر علي تشودري في 10 أكتوبر 1992 في مدينة لاهور، لعائلة محافظة يرأسها طبيب في الجيش الباكستاني، ومنذ صغرها، أظهرت حميراء شغفًا استثنائيًا بالفنون، مما دفعها لدراسة الرسم والنحت في الكلية الوطنية للفنون وكلية الفن والتصميم بجامعة البنجاب.
كانت أعمالها الفنية تستكشف دور المرأة في بناء المجتمعات وتمكين النساء، مستوحية إلهامها من الشعر والأدب الأردي، وهذا الشغف بالفن قادها لاحقًا إلى عالم المسرح مع مسرح رافي بير خلال سنوات الجامعة، قبل أن تنتقل إلى عالم الأزياء والتمثيل.
بدأت حميراء مسيرتها الفنية عام 2014 عندما حصلت على المركز الثالث في مسابقة “فيت ملكة جمال السوبر موديل”، مما فتح لها أبواب عالم الأزياء. عملت كعارضة أزياء لعدة علامات تجارية مرموقة قبل أن تنتقل إلى التلفزيون والسينما عام 2015.
شاركت حميراء في عدة مسلسلات تلفزيونية باكستانية، منها “بينام”، “جست ماريد”، “تشال ديل ميري”، “سيرات إي مستقيم” (لالي)، “جورو”، و”إحسان فراموش”. كما ظهرت في فيلمين: “جلايبي” عام 2015 كعارضة أزياء، و”أيك ثا بادشاه” عام 2016 في دور رئيسي مقابل علي حمزة وعلي نور.
حققت حميراء شهرة واسعة من خلال مشاركتها في برنامج تلفزيون الواقع “تماشا” على قناة ARY Digital، والذي يتبع نفس نمط برنامج “بيج براذر” العالمي. هذه المشاركة عرّفت الجمهور الباكستاني عليها بشكل أوسع وزادت من شعبيتها على وسائل التواصل الاجتماعي.
في عام 2023، حصلت حميراء على جائزة القيادة النسائية الوطنية كأفضل موهبة ناشئة ونجمة صاعدة، تقديرًا لمساهمتها في مجال الإعلام والترفيه. كان لديها أكثر من 713 ألف متابع على إنستغرام، وكانت آخر منشوراتها في 30 سبتمبر 2024.
في 8 يوليو 2025، وصل محضر قضائي معين من المحكمة إلى شقة حميراء في منطقة الدفاع المرحلة السادسة بكراتشي لتنفيذ أمر إخلاء بسبب عدم دفع الإيجار لأشهر. عندما لم يجد أي استجابة بعد طرق متكرر على الباب، اضطرت السلطات لكسر الباب، لتواجه مشهدًا مروعًا: جثة حميراء ملقاة على الأرض في حالة تحلل متقدمة.
كشف التحقيق عن أدلة صادمة تشير إلى أن حميراء توفيت في أكتوبر 2024، أي قبل تسعة أشهر من اكتشاف جثتها. نائب مفتش عام الشرطة أسد رضا أوضح أن “تواريخ انتهاء صلاحية الطعام والمشروبات في الثلاجة كانت من سبتمبر 2024″، مضيفًا أن “آخر نشاط صادر ووارد على هاتفها يعود أيضًا إلى أكتوبر 2024”.
انقطعت الكهرباء عن الشقة في أكتوبر 2024 بسبب عدم دفع الفواتير، ولم تكن هناك مصادر طاقة بديلة في المنزل. كما أن الجيران ذكروا أنهم شاهدوها آخر مرة في سبتمبر-أكتوبر 2024.
أظهر تقرير الطب الشرعي الذي أعدته الطبيبة الشرعية الدكتورة سمية سيد صورة مروعة لحالة الجثة. كانت الجثة في “حالة تحلل متقدمة”، حيث تحولت الأعضاء الرئيسية إلى “كتلة غير قابلة للتعرف” وأصبحت ملامح الوجه غير قابلة للتمييز تمامًا.
رغم الحالة المتقدمة للتحلل، لم يتم اكتشاف أي كسور في العظام، مما يشير إلى عدم وجود عنف جسدي.
في مأساة إضافية، رفضت عائلة حميراء في البداية استلام جثتها، مدعية أنها قطعت علاقتها بها منذ سنوات بسبب دخولها مجال الترفيه. والدها رفض المطالبة بجثتها، مشيرًا إلى قطع الروابط منذ سنوات سابقة.
في النهاية، تدخل صهرها للتواصل مع السلطات وتحمل مسؤولية رفاتها. تم دفن حميراء في 11 يوليو 2025 في مقبرة Q Block في موديل تاون، لاهور، في جنازة حضرها عدد قليل من الأشخاص فقط.
وبسبب الحالة المتقدمة للتحلل، لم يتمكن الأطباء الشرعيون من تحديد السبب الدقيق للوفاة. عينات من الشعر والعظام والدم والمسحات تم حفظها لإجراء تحليلات كيميائية ونسيجية وDNA إضافية.
الشرطة أشارت إلى أنه “لا يوجد دليل فوري على وجود لعب خبيث”، حيث كانت جميع الأبواب والنوافذ، بما في ذلك الشرفة، مقفلة من الداخل ولم تكن هناك علامات على الدخول القسري أو الصراع. ومع ذلك، التحقيق لا يزال مستمرًا في انتظار نتائج الفحوصات الكيميائية والنسيجية.
كانت حميراء تعيش وحيدة في شقتها بكراتشي منذ عام 2018، بعيدًا عن عائلتها في لاهور. التحقيقات كشفت أنها لم تكن على اتصال مع عائلتها أو أصدقائها أو جيرانها منذ أكتوبر 2024، وكانت تعيش وحيدة لمدة سبع سنوات.
آخر نشاط معروف لحميراء كان جلسة تصوير لمجلة في أواخر سبتمبر 2024، والتي تزامنت مع آخر منشور لها على إنستغرام. منسق الأزياء المشارك في تلك الجلسة ذكر أنه تفاعل معها آخر مرة في أكتوبر 2024.