عالم سياسة

كيف يؤدي نقص المياه إلى اندلاع الحروب؟

مع تزايد الطلب على المياه حول العالم، ثمة قلق من اندلاع صراعات بين الدول، خاصة في ظل المستويات غير المسبوقة لبناء السدود واستخراج المياه من قبل الدول الواقعة على الأنهار الكبرى، ما يجعل دول المصب أكثر عطشاً.

تقول هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” إنه في صيف عام 2018، نُقل 120 ألف شخص من سكان البصرة إلى المستشفيات جراء تلوث المياه، والسبب هو ندرة المياه في المدينة الواقعة جنوبي العراق، وتفاقم تدهور جودة المياه حولها، بسبب انخفاض تدفقات الأنهار نتيجة بناء السدود في تركيا.

ويواجه ما يصل إلى ربع سكان العالم الآن ندرة حادة في المياه لمدة شهر واحد على الأقل من العام، وهو ما يدفع الكثيرين إلى البحث عن حياة أكثر أماناً في بلدان أخرى. تقول كيتي فان دير هايدن، رئيسة التعاون الدولي في وزارة الخارجية الهولندية والخبيرة في السياسة المائية: “إذا لم يكن هناك ماء، سيبدأ الناس في الرحيل”.

وتؤثر ندرة المياه على ما يقرب من 40% من سكان العالم، وحسب توقعات الأمم المتحدة والبنك الدولي، يمكن أن يعرض الجفاف ما يصل إلى 700 مليون شخص لخطر النزوح بحلول عام 2030.

وتشعر فان دير هايدن بالقلق بشأن ما يمكن أن يحدث جراء ذلك، وتقول: “إذا لم يكن هناك مياه، فسيحاول السياسيون وضع أيديهم عليها وقد يبدأون في القتال”.

وحسب “بي بي سي” فإنه على مدار القرن العشرين، نما الاستخدام العالمي للمياه بأكثر من ضعف معدل الزيادة السكانية، وهو الأمر الذي يقود العديد من المدن – من روما إلى كيب تاون، ومن تشيناي إلى ليما – إلى ترشيد المياه.

وجرى تصنيف أزمات المياه ضمن المراكز الخمسة الأولى في قائمة المخاطر العالمية حسب تأثيرها والصادرة عن المنتدى الاقتصادي العالمي، كل عام تقريبًا منذ عام 2012.

وفي عام 2017، ساهم الجفاف الشديد في أسوأ أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، عندما اضطر 20 مليون شخص في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط إلى مغادرة منازلهم بسبب ما صاحب ذلك من نقص في الغذاء والصراعات التي اندلعت جراء ذلك.

وحسب بيتر غليك، رئيس معهد باسيفيك الذي يتخذ من أوكلاند مقرا له، فإن الصراع على المياه آخذ في الازدياد. ويقول: “مع استثناءات نادرة جدًا، لا أحد يموت من العطش بالمعنى الحرفي. لكن المزيد والمزيد من الناس يموتون بسبب المياه الملوثة أو النزاعات على الحصول على المياه”.

ووضع غليك وفريقه البحثي تسلسلا زمنيا للنزاع على المياه، وهو عبارة عن سجل يضم 925 صراعا على المياه، سواء كان كبيرا أو صغيرا، منذ أيام الملك البابلي حمورابي. إنه ليس تسلسلا شاملا بأي حال من الأحوال، وتتنوع النزاعات المذكورة به من حروب كاملة إلى نزاعات بين الجيران. لكن ما يكشفه هذا التسلسل هو أن العلاقة بين الماء والنزاع هي علاقة معقدة للغاية.

[two-column]</

أدى بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير على النيل الأزرق إلى تصاعد التوترات مع مصر والسودان اللتين تعتمدان على مياه النهر بشكل أساسي

[/two-column]

يقول غليك: “صنفنا النزاعات على المياه إلى ثلاث مجموعات: الأولى باعتبارها محفزًا للنزاع، عندما يرتبط العنف بالنزاعات حول الوصول إلى المياه والسيطرة عليها؛ والثانية كسلاح للنزاع، عندما تُستخدم أنظمة المياه أو المياه كأسلحة في النزاعات، بما في ذلك استخدام السدود لحجب المياه أو الفيضانات؛ والثالثة كضحايا أو أهداف للنزاعات، عندما تُستهدف موارد المياه أو محطات المعالجة أو خطوط الأنابيب أثناء النزاعات”.

وبعد تصفح السجلات التي جمعها غليك وزملاؤه، اتضح أن الجزء الأكبر من النزاعات يتعلق بالزراعة. ربما لا يكون الأمر مفاجئاً، نظرا لأن الزراعة تمثل 70 في المئة من استخدام المياه العذبة.

وفي منطقة الساحل شبه القاحلة بأفريقيا، على سبيل المثال، هناك تقارير منتظمة عن اشتباكات عنيفة بين الرعاة ومزارعي المحاصيل بسبب شح إمدادات المياه اللازمة لحيواناتهم ومحاصيلهم. لكن مع تزايد الطلب على المياه، يزداد حجم النزاعات المحتملة أيضاً.

وتعتمد كل من مصر والسودان وإثيوبيا على تدفق المياه الوافدة من النيل الأزرق، ودخلت البلدان الثلاثة في مناوشات سياسية منذ فترة طويلة بسبب مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي بنى بتكلفة بلغت 5 مليارات دولار (3.6 مليار جنيه إسترليني)، ويبلغ حجمه ثلاثة أضعاف حجم بحيرة تانا الإثيوبية.

وعندما أعلنت الحكومة الإثيوبية عن خططها للمضي قدمًا في بناء السد، أجرت مصر والسودان مناورة عسكرية مشتركة في مايو/أيار من هذا العام أطلق عليها تحديدًا اسم “حُماة النيل”.

ربما يكون هذا الصراع هو أكبر خطر يهدد باندلاع حرب على المياه من بين جميع الخلافات الموجودة في المشهد السياسي اليوم، لكن هناك العديد من النقاط الساخنة الأخرى حول العالم. فعلى سبيل المثال، وصف مسؤولون باكستانيون في وقت سابق الاستراتيجية التي لجأت إليها الهند لتصريف المياه في نهر سوتليج الذي يتدفق من الهند إلى باكستان بأنها “حرب الجيل الخامس”، في حين حذر الرئيس الأوزبكي إسلام كريموف من أن النزاعات الإقليمية حول المياه قد تؤدي إلى اندلاع حرب.