مع اقتراب انتخابات الخامس من نوفمبر في الولايات المتحدة، يبرز الاقتصاد باعتباره القضية الأهم التي تشغل بال الناخبين الأمريكيين، حيث يسعى كل من نائب الرئيس كامالا هاريس والرئيس السابق دونالد ترامب إلى تقديم طروحاتهم الاقتصادية لكسب ثقة الناخبين وإظهار قدرتهم على قيادة البلاد نحو ازدهار اقتصادي.
لكن التأثير على الأداء الاقتصادي في الولايات المتحدة ليس تحت سيطرة الرئيس وحده، فهناك عوامل خارجية تلعب دورًا مؤثرًا، مثل تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وأزمة سلاسل التوريد التي فجرتها جائحة كورونا، التي تسببت في أعلى معدلات تضخم تشهدها البلاد منذ 40 عامًا.
وبالرغم من تحسن بعض المؤشرات الاقتصادية، يشعر غالبية الأمريكيين، بما في ذلك 52% حسب استطلاع جالوب، أنهم أسوأ حالًا مما كانوا عليه قبل أربع سنوات، وهو شعور مرتبط بتحديات اقتصادية معقدة ومستدامة.
الأسعار ما تزال مرتفعة
تراجع التضخم من ذروته البالغة 9.1% في يونيو 2022 ليصل إلى 2.4% في سبتمبر 2023، وهو قريب من هدف الاحتياطي الفيدرالي السنوي البالغ 2%.
لكن الأسعار لم تعد إلى مستوياتها السابقة، فتكاليف السلع الأساسية مثل الأغذية ارتفعت بنسبة 1.3% مقارنةً بالعام السابق، وهذا يعني أن أسعار الطعام زادت بنسبة 26% منذ يناير 2020، مما لا يزال يُثقل كاهل المستهلكين.
يشير برنارد ياروس، الخبير الاقتصادي في أوكسفورد إيكونوميكس، إلى أن التضخم هو القضية الأبرز بالنسبة للناخبين، ويقول إنه “القضية الحاسمة التي تشغل أذهان الناخبين، وتصورهم له سيحدد نتيجة الانتخابات”.
ويبدو أن تضرر المستقلين في الولايات المتأرجحة من موجة التضخم قد يمنح ترامب الأفضلية في تلك الولايات.
الوظائف والأجور
يعد سوق العمل الأمريكي قويًا، حيث بلغت نسبة البطالة أدنى مستوياتها منذ خمسين عامًا، فيما تتزايد الأجور بوتيرة أسرع من التضخم منذ مايو 2023.
ومع ذلك، فإن هذا التعافي لا يعوض عن التراجع الاقتصادي الذي طال بعض الفئات، مثل الرجال البيض غير الحاصلين على شهادات جامعية، الذين تراجعت دخولهم مقارنةً بالمرأة الحاصلة على شهادة جامعية.
في استطلاع لـ« سي بي إس نيوز»، أعرب 63% من البيض غير الجامعيين عن نيتهم التصويت لترامب، مقارنةً بـ 48% فقط من الحاصلين على درجات جامعية. ويشير هذا إلى فجوة في نظرة الناخبين للأوضاع الاقتصادية حسب تحصيلهم العلمي ومستوى تأثرهم.
تكاليف اقتصادية تتجاوز الحدود
تمثل الهجرة أحد أهم القضايا الانتخابية، حيث يعتزم ترامب، إذا أعيد انتخابه، تنفيذ أكبر حملة ترحيل جماعي في تاريخ أمريكا. غير أن تكاليف هذا القرار الاقتصادية ليست بسيطة؛ إذ يعمل أكثر من 11 مليون مهاجر غير موثق في وظائف حيوية، مثل الزراعة والبناء.
ويؤكد آدم بوسين، رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، أن “ترحيل المهاجرين سيؤدي إلى انكماش اقتصادي”. كما أفادت «سي بي إس نيوز» أن تكلفة ترحيل مليون شخص فقط قد تصل إلى 20 مليار دولار.
مستقبل التشريعات الضريبية
تركز الحملتان الانتخابيتان على تقديم تخفيضات ضريبية؛ إذ يعتزم ترامب خفض الضرائب على الجميع، بدءًا من المتقاعدين وصولًا إلى مشتري السيارات.
ويرغب في تجديد تشريعاته الضريبية لعام 2017 التي خفضت ضرائب الشركات والأثرياء، مع خفض الضريبة على الشركات إلى 15% من 21%. لكن تمرير أي تغييرات ضريبية يتطلب دعمًا من الكونجرس، وقد يشكل هذا تحديًا في ظل انقسامه.
الدين الوطني والعجز الفيدرالي
تثير قضية الدين الوطني مخاوف واسعة، حيث تقدر لجنة الميزانية الفيدرالية أن خطط ترامب قد ترفع الدين بنحو 8 تريليونات دولار بحلول 2035، بينما ستضيف خطط هاريس ما يقارب 4 تريليونات دولار خلال الفترة ذاتها.
وأشار التحليل الأخير للجنة إلى أن تكلفة الدين الوطني باتت تتجاوز تكلفة الدفاع عن البلاد أو توفير الرعاية الصحية لكبار السن، ما يُنذر بأزمة اقتصادية عميقة.
وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين في الولايات المتأرجحة، مثل أريزونا وميشيجان وبنسلفانيا، يرون أن على المرشحين تقديم خطة واضحة للحد من الدين الوطني.
وفي ضوء تلك القضايا الاقتصادية المتشعبة، يبقى الناخب الأمريكي أمام معضلة الاختيار بين وعود طموحة وآمال بإصلاحات اقتصادية، مع استمرار تأثير التضخم والبطالة والهجرة والديون على رؤيتهم للمرشحين، وهي أمور من شأنها أن ستلعب دورًا محوريًا في تحديد رئيس أمريكا القادم، ما يجعل هذه الانتخابات واحدة من أكثر المواجهات الاقتصادية المصيرية في التاريخ الأمريكي الحديث، حسب الشبكة الإخبارية سي بي إس نيوز.