قال صندوق النقد الدولي، إن الاقتصاد السعودي لا يحتاج إلى إجراءات تقشفية رغم تصاعد التحديات العالمية وتراجع أسعار النفط.
وأوضح تقرير مشاورات المادة الرابعة لعام 2025، الذي صدر الخميس الماضي من الرياض، أن المملكة نجحت في الحفاظ على زخم نموها الاقتصادي، مدفوعة بقوة الطلب المحلي ومشاريع رؤية 2030، رغم تحوّل الفائض النفطي إلى عجز مزدوج في الميزانية والحساب الجاري. واعتبر الصندوق أن الإنفاق الحكومي المرتفع «ليس مثيرًا للقلق»، بل ضرورة لتجنّب تباطؤ النمو في لحظة حاسمة.
سجّل الحساب الجاري عجزًا طفيفًا بنسبة 0.5% من الناتج المحلي عام 2024، بعد فائض بلغ 2.9% في 2023. كذلك، بلغ عجز الميزانية 4.3%، إلا أن صندوق النقد يرى في ذلك مؤشرًا على تسريع تنفيذ المشاريع الاستثمارية، لا على تدهور اقتصادي.
وبرّر الصندوق موقفه بالتوازن النسبي في الإنفاق والإيرادات، مشيرًا إلى تحسن الإيرادات غير النفطية وتراجع العجز الأولي غير النفطي، مع احتفاظ المملكة باحتياطي أجنبي يغطي 15 شهرًا من الواردات.
كما لفت التقرير إلى أن صافي الدين السعودي لا يتجاوز 17% من الناتج المحلي، رغم أن المملكة أصبحت أكبر الأسواق الصاعدة المصدرة للدين بالدولار في 2024.
يتوقع التقرير نمو الاقتصاد غير النفطي بنسبة 3.4% هذا العام، وارتفاعه إلى 4% في 2027، مدفوعًا بالاستثمار الخاص والمشاريع الكبرى مثل «أوكساچون» الصناعية.
أما الناتج المحلي الكلي، فسيتسارع إلى 3.5% في 2025 و3.9% في 2026، مستفيدًا من الإلغاء التدريجي لتخفيضات إنتاج النفط.
وترى بعثة صندوق النقد أن المملكة لا تحتاج إلى تقليص الإنفاق، بل دعت إلى تجنب السياسات المالية المسايرة للدورة الاقتصادية، محذّرة من أنها قد تبطئ النمو في لحظة مفصلية.
غير أن الصندوق شدّد على ضرورة ضبط المالية العامة تدريجيًا بعد 2026 لضمان «عدالة بين الأجيال»، مقدّرًا الحاجة إلى إيرادات إضافية بنسبة 3.3% من الناتج المحلي غير النفطي حتى عام 2030.
اقترح التقرير ثلاث ركائز رئيسية:
تراجع معدل البطالة إلى 7% عام 2024، أي أقل من الهدف المعلن في «رؤية 2030»، ما دفع الحكومة لوضع هدف جديد لا يتجاوز 5%. كما انخفضت بطالة النساء والشباب إلى النصف في أربع سنوات.
أما التضخم، فبلغ 2.3% في أبريل 2025، مدعومًا بارتفاع أسعار الفائدة وتراجع تكاليف النقل. ورغم تباطؤ تضخم الإيجارات، لا يزال مستقرًا بفضل ربط الريال بالدولار ومرونة سوق العمل.
ويأتي هذا التقرير بينما تسارع السعودية تنفيذ مشاريع كبرى مثل «نيوم» و«أوكساچون» و«ذا لاين»، بالتوازي مع توسع استثمارات صندوق الاستثمارات العامة داخليًا وخارجيًا. ويعزز هذا التحول من مركزية النفط إلى نموذج متنوع ومستدام.
ولا يرى صندوق النقد في العجز الحالي مبررًا للقلق، بل انعكاسًا لمرحلة استثمارية نشطة تقودها رؤية وطنية طويلة الأمد. في المقابل، تُبقي الحكومة السعودية على هامش مناورة قوي بفضل احتياطياتها، وسط حرص على تجنب صدمات مستقبلية عبر ضبط متدرج ومدروس للسياسات المالية.