من جنوب أفريقيا إلى الهند.. معاناة أصحاب جواز السفر "الضعيف"

نوفمبر ٢٨, ٢٠٢٥

شارك المقال

من جنوب أفريقيا إلى الهند.. معاناة أصحاب جواز السفر "الضعيف"

في عالم يفترض أنه أصبح أكثر ترابطًا، تظل حرية التنقل امتيازًا لا يحظى به الجميع. فبينما يعبر البعض الحدود بجوازات قوية تفتح لهم أبواب العالم، يقف آخرون أمام متطلبات مرهقة، واستجوابات طويلة، وتكاليف قد تتجاوز تكلفة الرحلة نفسها. خلف هذه الحكايات تكمن تجربة إنسانية معقدة تكشف كيف يمكن لصفحة صغيرة تحمل شعار بلدٍ ما أن تتحكم في حياة صاحبها، خياراته، وحتى طريقة نظر الآخرين إليه. قصص أليكس، وليلي، وبانثا روي ليست سوى نماذج حيّة لعدم المساواة التي يخلقها «جواز السفر».

تسافر أليكس، القادمة من جنوب أفريقيا والمقيمة في سنغافورة، كثيرًا للعمل والترفيه، لكن جواز سفرها يشكّل عقبة حقيقية أمام تنقّلها بسهولة. تقول إنها مستعدة لتبديله فورًا لو أُتيحت لها الفرصة. وتوضح، مفضّلة عدم ذكر اسمها الكامل حفاظًا على خصوصيتها: "لو عرض عليّ أحدهم جواز سفر مختلف، أو حتى لأولادي، فسأقبله فورًا"

يحتل جواز جنوب أفريقيا المرتبة 51 على مؤشر «هينلي» لقوة جوازات السفر، وهو موقع متوسط عالميًا لكنه يفرض قيودًا كثيرة تتعلق بالتأشيرات. وتشير أليكس إلى أن أصحاب الجوازات القوية ومن بينهم أصدقاؤها، غالبًا لا يدركون حجم الوقت والجهد الذي يبذله من يحمل جوازًا ضعيفًا.

وتتساءل باستنكار: "لماذا يجب أن أعرض كل صفحة في جواز سفري من آخر عشر سنوات لأتمكّن من السفر إلى أستراليا لقضاء عطلة؟ وإذا كان السفر للعمل، فإن المشوار الذي أمرّ به أمر غير طبيعي".

في إحدى رحلاتها الأخيرة إلى أوروبا مع شريكها، اضطرت للحصول على تأشيرات لمنطقة شنغن وللمملكة المتحدة، وهي عملية استغرقت ستة أسابيع كاملة. وتقول: "كان علينا أن نكون حذرين جدًا في المواعيد"، خاصة أنها لم تستطع السفر طوال فترة حجز جوازها لدى مركز التأشيرات، وهو ما يسبب مشكلة كبيرة لمن يسافرون باستمرار لأغراض العمل.

إعداد المستندات المطلوبة يزيد من العبء على من يملكون جوازات ضعيفة. وتروي أليكس أن أحد طلباتها السابقة لأوروبا تطلّب ختمًا رسميًا لكشوفها البنكية، لكنها لم تعرف هذا الشرط إلا عند وصولها لمركز التأشيرات.

وبعد زيارات عديدة ورفض متكرر من فروع البنوك، وافق أحدها على طباعة نسخ تحمل علامات مائية مقابل 10 دولارات للصفحة الواحدة. يضاف إلى ذلك رسوم تبلغ 50 دولارًا عن كل زيارة لمركز الطلبات.

وتقول: "أعتقد أننا أنفقنا ما بين 600 و700 دولار، وربما أكثر. من أجل الحصول على تأشيرة لإيطاليا لمدة ستة أيام فقط". وتؤكد أنها باتت تميل للسفر إلى الدول التي لا تحتاج إلى تأشيرة، مضيفة: "الفرق كبير جدًا عندما تكون في إجازة أسبوع واحد وتضطر لدفع ألف دولار فقط في رسوم التأشيرة".

النظام غير عادل

تواجه ليلي، التي تحمل جواز سفر صيني وقد تم تغيير اسمها بناءً على رغبتها بسبب سياسات شركتها تجارب مشابهة. تحكي أنها تعرضت لاستجوابات مهينة من موظفي التأشيرات، شملت أسئلة تتعلق بالنية في تجاوز مدة الإقامة. كما طُلب منها تقديم سجلات جنائية أو ما يثبت عدم وجودها، في إجراءات استهلكت وقتًا ومالًا إضافيين.

أما أليكس، فترى أن هناك "شعورًا بالإهانة" يرافق هذه الإجراءات، إذ قد يكون الشخص المتقدّم للتأشيرة متعلمًا ومهنيًا ناجحًا، ومع ذلك يُعامل معاملة مشددة، بينما يدخل آخرون دولًا عديدة بسهولة بسبب قوة جوازاتهم فقط.

وتقول ليلي، التي واجهت هذه الصعوبات خلال دراستها في الخارج، إن هذه التجارب جعلتها تتراجع عن التقديم على وظائف تتطلب سفرًا متكررًا. وتضيف: "الموضوع ليس فقط الإهانة في الحصول على التأشيرة نفسها.. بل يشمل أيضًا المعاملة عند الحدود".

وتتابع: "أحيانًا أفكر أنه لو لم أكن حاملة هذا الجواز ولو كان لدي جواز بريطاني، على سبيل المثال لربما كانت حياتي أكثر سهولة". وتشبه الأمر بمحاولة شرح ألم الولادة لرجل: "لن يستطيع أن يشعر حقًا بمقدار الألم".

وتفكر ليلي اليوم في محاولة الحصول على جواز هونغ كونغ، لكنه يتطلب الإقامة والعمل هناك سبع سنوات كاملة. وتقول إنها تحب بلدها، لكنها رغم ذلك "لا تزال تتمنى تغيير جواز السفر".

المزيد من المال والوقت

أما بانثا روي، رائد الأعمال المقيم في سنغافورة، فيؤكد أن جواز سفره الهندي كلّفه الكثير من المال والوقت والجهد، خاصة عند البحث في التفاصيل الدقيقة لمتطلبات كل دولة. ويذكر أنه خلال رحلةٍ لحملته على الظهر في أمريكا الجنوبية، اضطر لوضع خطة تفصيلية قبل السفر بفترة طويلة، إذ طلبت بعض الدول تحديد منافذ الدخول ووسائل النقل بدقة، وهو ما يقلّل من عفوية السفر.

ويتذكر أنه خلال زيارة لأوروبا، كان أصدقاؤه يحجزون رحلات أرخص قبل أسبوع واحد فقط، بينما لم يكن بإمكانه فعل ذلك بسبب خطوات التأشيرة الطويلة. وحتى للرحلات القصيرة، يقول: "يجب أن تبدأ التخطيط قبلها بثلاثة أشهر لضمان الحصول على موعد التأشيرة وانتظار الموافقة قبل السفر".

ولهذا السبب، بات يتجنب السفر إلى أوروبا: "نظرًا لكل هذا التعب.. أفضل السفر إلى أماكن أخرى بدل أوروبا". وعلى عكس أليكس وليلي، يؤكد روي أنه رغم كل الإزعاج لا يرغب في التخلي عن جواز سفره: "أحب جواز السفر الهندي الذي أملكه.. ولن أستغني عنه".

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech