بعد أكثر من 12 عامًا من الشتات والفراق عن الأرض الأم، حلّ موسم حج 2025 على السوريين كصفحة جديدة من الأمل والفرح. إذ عاد آلاف الحجاج الذين عاشوا سنوات طويلة بين النزوح والتشتت في الخارج، لأول مرة منذ الأزمة السورية لأداء فريضة الحج مباشرة من مطار دمشق الدولي.
ولم يكن الأمر مجرد رحلة دينية، بل لحظة رمزية تمثل استعادة الكرامة الوطنية، وتنظيمًا موحدًا يضع الحجاج السوريين على قدم المساواة، بعيدًا عن أي تفرقة مناطقية أو سياسية.
أول رحلة رسمية من دمشق بعد أكثر من عقد
وصف الحاج عبيدة الكاطع تجربته في موسم حج هذا العام قائلًا: "حين وطأت أقدامنا أرض المطار شعرت بالفخر والاعتزاز، وكأن وطننا يعانقنا من جديد ويؤكد لنا أننا مواطنون يُحترم وجودنا وحقوقنا".
فيما عبّر العقيد المتقاعد رياض الأسعد، الذي انشق عن الجيش السوري في بدايات الثورة، عن شعوره في مقطع فيديو عبر منصة "إكس" قائلًا: "لم يكن شعورًا يمكن للكلمات أن تصفه، حلم طال انتظاره تحول إلى حقيقة، والعودة لأداء الحج من أرض الوطن أضفت على الرحلة قيمة استثنائية". لعب الأسعد دورًا بارزًا في المعارضة السورية، وقد شهدت حياته تحديات كبيرة قبل أن يتمكن من العودة لأداء الفريضة بعد سنوات طويلة من الغياب.
مرحلة رمزية وتاريخية في حياة السوريين
منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، كان ملف الحج السوري يدار جزئيًا من قبل "لجنة الحج العليا" التابعة للمعارضة، مع تنظيم الرحلات عبر تركيا ولبنان والأردن، ما جعل الوصول إلى الفريضة معتمدًا على العلاقات الشخصية والإمكانات المالية أكثر من كونه حقًا لجميع المواطنين. أما حج 2025، فهو علامة فارقة على قدرة سوريا على استعادة ملفاتها الوطنية، وإعادة ترتيب شؤون مواطنيها بما يضمن المساواة والكرامة للجميع. وشاركت كل المحافظات السورية، بما فيها الحسكة ودير الزور والرقة واللاذقية، في هذا الموسم دون استثناءات، مع تنظيم كامل للحجز والإقامة والنقل، وهو ما لم يحدث منذ سنوات طويلة.
وخلال هذا الموسم، اعتمدت الهيئة السورية للحج والعمرة نظامًا جديدًا للتسجيل عبر قرعة إلكترونية متكاملة شملت السوريين داخل البلاد وخارجها، مع تخصيص 7% من المقاعد لكبار السن، وتوزيع باقي المقاعد بحسب الفئات العمرية. وبلغ عدد الحجاج 22,500 حاج وحاجة، بينهم 1,575 من كبار السن، ويرافقهم 1,360 مرافقًا، وهو ما يعكس تنظيمًا متطورًا لأول مرة منذ سنوات طويلة.
وضمنت الرحلات الجديدة إقامة فندقية معتمدة لجميع الحجاج، سواء في مكة أو المدينة المنورة، مع توحيد تكلفة الحج لتشمل النقل والخدمات الصحية والإدارية، وهو ما أتاح فرصة متساوية لجميع السوريين، سواء داخل البلاد أو في الشتات. وبالتالي أصبح الحج الآن أكثر سلاسة وتنظيمًا، حيث استغرقت إجراءات الدخول إلى السعودية عبر مطار جدة حوالي نصف ساعة فقط، وسط تنسيق كامل بين بعثات طبية وإدارية سورية، ومؤسسات سعودية معنية بالإعاشة والنقل والإقامة، لتقديم تجربة حج مريحة وآمنة.
وأكد وزير الأوقاف السورية محمد الخير أبو شكري أن هذا الحج هو الأول منذ تحرير سوريا من النظام السابق، مشددًا على أن جميع الحجاج تم التعامل معهم كمواطنين سوريين متساوين في الحقوق والفرص، بعيدًا عن أي اعتبارات سياسية أو مناطقية. إلا أن بعص الأصوات أشارت إلى أن الفرص لم تكن متساوية وسانحة لجميع المواطنين للحصور على فرصة في حج 2025.
"نقلة نوعية بعد الفوضى"
وصف الحاج عبيدة الكاطع التحول في تنظيم الحج هذا العام بأنه "نقلة نوعية بعد سنوات من الفوضى"، مشيرًا إلى أن المراحل السابقة كانت تشهد تفاوتًا كبيرًا بين المجموعات، حيث كانت بعض الحملات تسكن في أماكن غير معتمدة وتدير شؤونها بشكل مستقل. وأضاف: "اليوم أصبح هناك انتظام كامل بين جميع المجموعات، مع تواصل واضح بين منظمي الرحلات، وتحسّن ملحوظ في مستوى الإقامة والخدمات، حيث يقيم الحجاج في فنادق رسمية معتمدة من وزارة الحج السعودية".
وتابع: "حتى في المدينة المنورة، تم توفير إقامة فندقية مميزة لجميع الحجاج السوريين دون أي تمييز، وتم توحيد تكلفة الحج لتصبح متساوية لكل المواطنين، سواء داخل سوريا أو المقيمين في الخارج". مشيرًا إلى أن العدد الإجمالي للمتقدمين بلغ أكثر من 43 ألف شخص.
اقرأ أيضًا:
أمن حج 1446هـ.. تنظيم ودقة في كل خطوة
من "نسك" إلى "الدرون".. تكامل حكومي شامل لتجربة حج ميسّرة وآمنة
لماذا لا يُسمح للعامة بدخول الكعبة المشرفة؟














