تشير التطورات الحديثة إلى أن عددًا متزايدًا من العاملين باتوا يعتمدون على روبوتات الدردشة بدلًا من زملائهم للحصول على التوجيه المهني، وطلب المشورة، وتبادل الأفكار، وحتى إجراء الأحاديث القصيرة المرتبطة بسير العمل اليومي.
وغيّر الانتشار الواسع للعمل عن بُعد بشكل جذري طبيعة التواصل بين الموظفين. وفي الوقت الذي تسهم فيه تقنيات الذكاء الاصطناعي في رفع الكفاءة وتسريع الإنجاز، فإنها تدفع بيئة العمل نحو تحولات أعمق وأكثر تعقيدًا في العلاقات المهنية. وتُعد من أبرز التداعيات تزايد الإحساس بالعزلة وتراجع الروابط المهنية التي كانت في السابق عاملًا محفزًا للإبداع وتحسين جودة الأداء. كما أن أدوات الذكاء الاصطناعي تعجز عن تعويض التفاعلات العفوية داخل المكاتب، أو الأحاديث غير الرسمية التي تعزز روح الفريق.
ونقل تقرير حديث عن أحد موظفي شركة أنثروبيك، المطوّرة لروبوت المحادثة "كلود"، قوله إنه يفضّل العمل مع البشر، لكنه يشعر بالحزن لأن حاجته إليهم أصبحت أقل مما كانت عليه في السابق. وأوضحت الشركة أن عددًا من مهندسيها باتوا يطرحون على "كلود" أسئلة كانت تُوجَّه تقليديًا إلى الزملاء، وهو ما يعكس تراجع فرص الإرشاد والتعاون المباشر داخل فرق العمل.
ولا تقتصر هذه الظاهرة على شركات الذكاء الاصطناعي، بل تمتد إلى قطاعات متعددة من الوظائف المكتبية، حيث باتت روبوتات الدردشة جزءًا متزايد الحضور في بيئات العمل ذات الياقات البيضاء. ووفقًا لاستطلاع أجرته منصة العمل الحر "أب وورك" في وقت سابق من العام الجاري، قال 64% من العاملين الذين لاحظوا ارتفاع إنتاجيتهم بفضل الذكاء الاصطناعي إنهم يشعرون بعلاقة أفضل مع هذه الأدوات مقارنة بعلاقتهم بزملائهم في العمل.
كيف تطورت العلاقة بين الموظفين وروبوتات الدردشة؟
يفضّل كثير من الموظفين اليوم اللجوء إلى روبوت محادثة للحصول على إجابة سريعة ومباشرة، قبل التوجه بسؤال إلى مدير أو زميل. وقال الخبير الاقتصادي توماس ويناندي لموقع "أكسيوس" إن الذكاء الاصطناعي أصبح بالنسبة للبعض بمثابة محرك البحث الجديد، لدرجة أن طرح أسئلة بسيطة على الآخرين قد يسبب انزعاجًا إذا كان يمكن الإجابة عنها بسهولة عبر هذه الأدوات.
من جهته، أشار نيل ريبلي، وهو مسؤول تنفيذي في قطاع الاتصالات، إلى أن أحد عوامل نجاح أداة "جيميني" من غوغل هو أنها تؤدي دور زميل العمل بلا أعباء. وأوضح في رسالة إلكترونية أنها لا تتأخر في الرد، ولا تتأثر بفروق التوقيت أو ضغوط الحياة، كما أنها لا تُصدر أحكامًا أو تتسبب في إحراج بسبب أسئلة متأخرة أو غير دقيقة.
وعلى خلاف بعض الزملاء الذين يميلون إلى تصحيح الآخرين أو مقاطعتهم في منصات التواصل الداخلي مثل "سلاك"، فإن روبوتات الدردشة غالبًا ما تقدّم إجابات منسجمة مع توقعات المستخدم، دون معارضة أو نقاش.
وحذّرت كيلي موناهان، التي شاركت في إعداد استطلاع "أب وورك" وتدير حاليًا شركة متخصصة في استشارات بيئات العمل، من خطورة هذا التوجّه، معتبرة أن مثل هذه الملاحظات تشكّل مصدر قلق حقيقي. وأكدت أن التفاعل البشري ضروري لتحدي الأفكار وتطويرها، مضيفة أن المؤسسات قد تبدو اليوم أكثر كفاءة، لكنها مهددة بالتفكك على المدى المتوسط.
تراجع مستويات الارتباط بين العاملين
تشير بيانات مشاركة الموظفين الصادرة عن مؤسسة "غالوب" إلى أن مستويات الارتباط العاطفي بين العاملين تراجعت بشكل ملحوظ منذ عام 2020، ما يعزز القناعة بأن التواصل الإنساني لا يمكن استبداله بالتقنية.
وترى إدويج ساكو، رئيسة قسم ابتكار القوى العاملة في شركة «كيه بي إم جي»، أن استخدام روبوتات المحادثة قد يكون عنصرًا داعمًا للتواصل البشري وليس بديلًا عنه. وتوضح أن كثيرين يستعينون بالذكاء الاصطناعي للتحضير للنقاشات المقبلة مع زملائهم، واصفة هذه الأدوات بأنها بمثابة انعكاس منظم للأفكار. وأضافت أنها لم ترَ دلائل تشير إلى تراجع الحوار حول القضايا الأساسية.
وتعمل الشركة الاستشارية حاليًا على اختبار برنامج تدريبي جديد يتيح للموظفين استخدام الذكاء الاصطناعي للاستعداد لمهام مهنية، من بينها التحضير لتقييمات الأداء. ويرى مؤيدو الذكاء الاصطناعي أن المرحلة التالية من انتشاره ستتبلور عندما يتعلم الموظفون توظيف هذه الأدوات بشكل جماعي داخل الفرق، بما يخفف من العزلة بدلًا من تعميقها.
يتصاعد القلق من أن التقنيات القادرة على استثمار الذكاء الجماعي للبشر قد تؤدي إلى إبعادهم عن العمل المشترك الذي كان تاريخيًا محرك الابتكار والتقدم.
اقرأ أيضًا:
ميتا مرتبكة بسبب استراتيجية الذكاء الاصطناعي المتغيرة
بيل غيتس يحذّر من تأثير الفقاعة على استثمارات الذكاء الاصطناعي
ترامب يمهد لتوحيد قواعد الذكاء الاصطناعي بأمر تنفيذي جديد














