ميتا مرتبكة بسبب استراتيجية الذكاء الاصطناعي المتغيرة

ديسمبر ٩, ٢٠٢٥

شارك المقال

ميتا مرتبكة بسبب استراتيجية الذكاء الاصطناعي المتغيرة

قبل عام واحد فقط، قدّم مارك زوكربيرغ، المدير التنفيذي لشركة ميتا، صورة متفائلة عن سلسلة نماذج الذكاء الاصطناعي "لاما"، مؤكدًا أنها ستتقدم على جميع المنافسين وستجعل تقنيات الذكاء الاصطناعي في متناول الجميع.

وفي مطلع العام الحالي، خصص جزءًا بارزًا من عرضه للمستثمرين للحديث عنها، لكن الاسم نفسه بالكاد ظهر في مكالمته الأخيرة مع المحللين في أكتوبر، ما يعكس تغيّرًا كبيرًا في أولويات الشركة. فقد تراجع التركيز على النموذج مفتوح المصدر لصالح استراتيجية أخرى تعتمد على استقطاب خبرات رفيعة بتكاليف ضخمة، في محاولة للحاق بعمالقة القطاع مثل OpenAI وغوغل وAnthropic.

استراتيجية "ميتا" الغامضة

بحسب خبراء ومطلعين على أنشطة الشركة، فإن ميتا تدخل عام 2026 واستراتيجيتها في مجال الذكاء الاصطناعي ما تزال غامضة ومشتتة، في وقت يواصل فيه المنافسون إطلاق نماذج متقدمة تجذب المستخدمين والشركات بسرعة متزايدة. وتشير مصادر مطلعة إلى أن الشركة تعمل على تطوير نموذج جديد كبديل لـ"لاما"، يحمل الاسم الرمزي "أفوكادو"، وكان مقررًا إصداره قبل نهاية 2025، إلا أن الإطلاق أُجِّل إلى الربع الأول من 2026 بسبب تعثره في اجتياز اختبارات أداء رئيسية.

ورغم ذلك، أكدت ميتا في بيان رسمي أن الجدول الزمني لم undergo تغييرات جوهرية وأن العمل يسير كما هو مخطط له. ولكن في الأسواق المالية، لم يكن الوضع داعمًا؛ فأسهم ميتا هذا العام كانت أقل أداءً من أسهم شركات التقنية الكبرى، وأقل بكثير من أسهم "ألفابت". ومع هذا التراجع، تزايدت أسئلة المستثمرين حول المكاسب المتوقعة من إنفاق الشركة مليارات الدولارات لجلب مواهب جديدة والتوسع في البنية التحتية.

وقد أثارت صفقة توظيف ألكسندر وانغ، مؤسس "سكيل إيه آي"، مقابل 14.3 مليار دولار في يونيو، الكثير من الجدل، خاصة بعدما رفعت ميتا توقعاتها لنفقات 2025 لتصل إلى 72 مليار دولار. وكتب محللون في "كي بانك كابيتال ماركتس" أن ميتا بدأت العام باعتبارها لاعبًا قياديًا في سباق الذكاء الاصطناعي، لكنها اليوم تواجه أسئلة أصعب بشأن حجم استثماراتها والعائد الذي ستحققه.

ورغم أن أعمال الإعلانات الرقمية — العمود الفقري لإيرادات ميتا — ما تزال تنمو بأكثر من 20% مدعومة بدمج أدوات ذكاء اصطناعي متقدمة، فإن الشركة ترى أنها بحاجة إلى تحقيق اختراقات أكبر حتى لا تصبح خارج السباق في مرحلة يتوقع أن تصبح فيها تقنيات الذكاء الاصطناعي محددًا رئيسيًا لمستقبل الصناعة.

وحتى وقت قريب، كانت نماذج "لاما" مفتوحة المصدر تمثل نقطة تميز فريدة لميتا، فقد أتاحت الشركة الوصول إلى أوزان النماذج مجانًا للباحثين والمطورين. لكن هذا التوجه تراجع بعد أن لاحظت ميتا ضعف الاهتمام بـ"لاما 4"، إلى جانب ظهور نماذج منافسة تضمنت أجزاء من هيكل "لاما"، وفق مصادر داخلية، ما عزز المخاوف من مخاطر الانفتاح الكامل.

أفوكادو.. نموذج مغلق

بحسب المطلعين، فإن "أفوكادو" سيُطرح على الأرجح كنموذج مغلق، بحيث لا تتاح أوزانه للمطورين كما كان الحال سابقًا، في خطوة تمثل تحولًا حاسمًا في نهج الشركة. ويعود هذا التغيير — وفق المصادر — إلى ما اعتُبِر فشلًا في إطلاق "لاما 4"، الأمر الذي أدى أيضًا إلى إعادة هيكلة واسعة داخل الشركة، شملت سحب ملف الذكاء الاصطناعي من مسؤوليات كبير مسؤولي المنتجات، كريس كوكس.

وبعد ذلك، قاد زوكربيرغ حملة توظيف ضخمة أعادت تشكيل قيادة الذكاء الاصطناعي بالكامل، فاختار ألكسندر وانغ ليصبح الرئيس التنفيذي للذكاء الاصطناعي في ميتا، ثم وضعه في قيادة وحدة جديدة تحمل اسم "مختبر TBD"، حيث يجري تطوير نموذج "أفوكادو". وتؤكد مصادر أن ميتا عرضت مكافآت هائلة تصل إلى 100 مليون دولار لجذب مهندسين رفيعي المستوى من شركات منافسة مثل OpenAI، وهي مبالغ نفت ميتا صحتها.

وانضم إلى ميتا أيضًا كل من نات فريدمان، الرئيس التنفيذي السابق لـ GitHub، والباحثة شينجيا تشاو، إحدى المشاركات في تأسيس ChatGPT، ليقودا التحول في طريقة بناء النماذج داخل الشركة، في عملية وصِفَت بأنها غيّرت جذريًا نموذج تطوير البرمجيات المعتاد في ميتا.

لكن هذا التغيير جلب معه ضغطًا هائلًا على فرق الهندسة؛ فقد أصبحت أسابيع العمل التي تتجاوز 70 ساعة أمرًا معتادًا في وحدات الذكاء الاصطناعي، مع موجات تسريح وإعادة هيكلة شملت 600 موظف داخل مختبر MSL. وكانت هذه التطورات — بحسب المصادر — من الأسباب الرئيسية وراء رحيل عالم الذكاء الاصطناعي الشهير يان ليكون، الذي غادر لإطلاق شركة جديدة.

ويقود وانغ وفريدمان أسلوب إدارة مختلف تمامًا عن ثقافة الشركة التقليدية، إذ يعتمدان نهجًا أكثر انغلاقًا وتكتمًا، ولا يستخدم فريق "TBD Lab" شبكات التواصل الداخلية مثل Workplace، مما يجعل المجموعة أشبه بشركة ناشئة مستقلة داخل الشركة الأم.

نماذج أخرى قيد التجربة

بالتوازي مع ذلك، تحولت ميتا إلى نمط تطوير أكثر سرعة يعتمد على نموذج "عرض تجريبي بدلًا من مذكرة"، وهو توجه يهدف لتسريع بناء الأدوات والنماذج. كما بدأت الشركة في استخدام أدوات خارجية مثل منصات "Lovable" لبناء تطبيقات داخلية بسرعة أعلى. وفيما تعمل ميتا على تجهيز "أفوكادو"، تستمر أيضًا في تجريب نماذج أخرى على منتجاتها، مثل Vibes — خدمة الفيديو بالذكاء الاصطناعي — التي استندت على تقنيات من شركات خارجية، لكنها طُرحت بسرعة وأُعتبرت أقل جودة من منتجات منافسة مثل Sora 2.

وفي جانب البنية التحتية، بدأت ميتا تعتمد بشكل أكبر على خدمات الحوسبة السحابية من CoreWeave وOracle، خاصةً في فترة بناء مركز البيانات العملاق «هايبريون» في لويزيانا، ضمن صفقة تمويل بلغت 27 مليار دولار. ورغم هذا التشتت والضغوط المتزايدة، يصرّ زوكربيرغ على أن الشركة تسير في الاتجاه الصحيح نحو بناء الجيل القادم من نماذج الذكاء الاصطناعي، مؤكدًا في آخر تصريحات علنية أنه يعتقد أن ميتا تمتلك الآن واحدة من أقوى بيئات المواهب في الصناعة، وأن نتائج العمل ستظهر في الأشهر المقبلة.

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech