مع اقتراب نهاية العام، يبلغ موسم الإنفلونزا ذروته، وسط تحذيرات متزايدة من قبل الأطباء والباحثين، إضافة إلى تزايد الحالات بين البالغين وكبار السن والأطفال ما يثير القلق بشكل متزايد. ويقول ريتشارد مارتينيلو، أخصائي الأمراض المعدية وكبير المسؤولين الطبيين في كلية الطب بجامعة ييل، "سنشهد موسم إنفلونزا كبير هذا العام، ولدينا الكثير من المخاوف من أن يكون أكثر حدة من المعتاد".
سبب تزايد الإصابات بالإنفلونزا
ووفقًا لموقع " ناشيونال جيوجرافيك"، يرجع السبب إلى تغييرات جينية كبيرة طالت سلالة الفيروس المنتشرة عالميًا، مما يسهل إصابة الناس ويزيد من سرعة انتشاره. وتوضح دانوتا سكوفرونسكي، الطبيبة المتخصصة في علم الأوبئة وباحثة الإنفلونزا في مركز مكافحة الأمراض بكولومبيا البريطانية، أن "أجسامنا المضادة لن تتعرف على الفيروس بنفس الكفاءة". وتشير سكوفرونسكي إلى أن هذه الطفرات حدثت بعد أن تم تصنيع لقاح الإنفلونزا لهذا الموسم، ما يعني أن التطعيم الحالي لا يعكس التغيرات الجديدة في الفيروس.
شهدت الولايات المتحدة مؤخرًا ارتفاعًا ملحوظًا في معدلات الإصابة بالإنفلونزا. فبحلول أواخر نوفمبر، مثلت أمراض الجهاز التنفسي، بما في ذلك نزلات البرد وكوفيد-19، نحو 5% من زيارات الأطباء، بعد أن كانت 3% فقط في الأسبوع السابق. ويشير الخبراء إلى أن هذه الفيروسات شديدة العدوى، ما يعني أن أي زيادة في الإصابات قد تتسارع بسرعة وتؤدي إلى ارتفاع حاد في عدد الحالات.
ورغم أن لقاح هذا العام لا يتطابق تمامًا مع السلالة السائدة من الفيروس، يؤكد الخبراء على أهمية الحصول عليه، إلى جانب اتخاذ إجراءات وقائية أخرى للحد من تأثير موجة الإنفلونزا المحتملة، مثل غسل اليدين بانتظام وارتداء الكمامات عند الضرورة وتجنب الاختلاط بالمصابين.
شهد الصيف الماضي بداية المخاوف من طفرات جديدة في فيروس الإنفلونزا، بالتزامن مع فصل الشتاء في نصف الكرة الجنوبي وذروة موسم الإنفلونزا هناك. وسجلت أستراليا أرقامًا قياسية في عدد الإصابات، بينما شهدت البرازيل زيادة حادة بنسبة 127% في حالات الإنفلونزا الحادة.
ويُعرف فيروس الإنفلونزا بقدرته الكبيرة على التحور مقارنة بالفيروسات الأخرى، إذ تتكون جيناته من أجزاء قابلة للتبادل بسهولة مع فيروسات أخرى، ما يمنحه مزايا إضافية. هذا العام، أدت ستة تغييرات جينية مهمة إلى أن يصبح الفيروس أقل وضوحًا لجهاز المناعة، مما يسهل عليه اختراق الخلايا البشرية وإصابة الأشخاص بالمرض.
بدأت السلالة الفرعية الجديدة K من فيروس الإنفلونزا بالانتشار عالميًا. ويشير ماركوس بيريرا، طبيب الأمراض المعدية المتخصص بالمرضى ذوي المناعة الضعيفة في جامعة كولومبيا إيرفينغ بنيويورك، إلى أن "مواسم الإنفلونزا في نصفي الكرة الأرضية مرتبطة ببعضها؛ فما يظهر في الجنوب يصل في النهاية إلى الشمال، والعكس صحيح".
وتتمتع هذه السلالة بقدرة عالية على العدوى، وقد تسببت بالفعل في تفشي غير مسبوق في المملكة المتحدة، قبل أن يحين الموعد المعتاد لبداية موسم الإنفلونزا. ومن المتوقع أن تهيمن هذه السلالة على الولايات المتحدة وكندا خلال فترة العطلات، التي عادةً ما يشهد فيها السفر والتجمعات العائلية زيادة في فرص التعرض للإنفلونزا وانتقالها بين الأشخاص.
أهمية الحصول على لقاء الإنفلونزا
رغم عدم تطابق لقاح هذا العام تمامًا مع السلالة السائدة، يظل الحصول عليه أكثر أهمية من أي وقت مضى. وكما هو معتاد، حددت منظمة الصحة العالمية مكونات اللقاح في الشتاء الماضي استعدادًا لإطلاقه في سبتمبر بالولايات المتحدة، ما يتطلب بعض التخمين حول السلالات التي قد تنتشر بعد أشهر، خاصة فيروس الإنفلونزا A سريع التحور والذي شهد تغييرات جينية مثيرة للقلق.
ويشير الخبراء إلى أن هذا العام شهد اختلافًا كبيرًا بين اللقاح والسلالة الفعلية؛ فدرجة ثلاثة في ما يُعرف بـ"الاختلاف المستضدي" تعني عدم تطابق، مع وجود فجوة أكبر تقترب من ستة، كما ورد في دراسة نشرتها المجلة الكندية.
حذر خبراء الصحة من أن لقاح الإنفلونزا هذا العام أكثر أهمية من أي وقت مضى، في ظل انتشار فيروس أكثر عدوى قد يصيب شريحة واسعة من السكان ويزيد من حالات الأمراض الخطيرة. وأوضح ريتشارد مارتينيلو، أخصائي الأمراض المعدية، أن حتى اللقاحات الأقل فعالية تساهم في تقليل شدة المرض وتجنب آلاف زيارات المستشفيات. كما أشار إلى أن اللقاح يستهدف أيضًا فيروس الإنفلونزا B، الذي قد يشهد ارتفاعًا لاحقًا خلال الموسم.
وفي تحليل أجرته مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها بالولايات المتحدة، سجلت نصف الكرة الجنوبي انخفاضًا يقارب 50% في حالات دخول المستشفيات بين الأشخاص الذين تلقوا لقاح الإنفلونزا هذا الصيف. ومع ذلك، قالت دانوتا سكوورونسكي، خبيرة علم الأوبئة، إن الولايات المتحدة وكندا قد تشهد ذروة مختلفة أو أكثر حدة حتى منتصف يناير، عندما يزداد عدد الأشخاص المعرضين للفيروس وتكتمل أعداد معظم الراغبين في تلقي التطعيم.
تشير البيانات إلى أن 36% فقط من الأطفال في الولايات المتحدة تلقوا لقاح الإنفلونزا هذا العام، مسجلين انخفاضًا قدره 23% مقارنةً بالنسب قبل خمس سنوات، ويُعزى ذلك على الأرجح إلى تصاعد الشكوك حول اللقاحات. أما بين كبار السن فوق 65 عامًا، فبلغت نسبة المطعمين 13% فقط، رغم أنهم الأكثر عرضة لمضاعفات الإنفلونزا وخطر الدخول إلى المستشفيات أو الوفاة.
إجراءات للوقاية من الإنفلونزا
من الإجراءات الوقائية الأساسية للحد من انتشار الإنفلونزا، البقاء في المنزل عند ظهور أي أعراض تنفسية، حتى لو كانت خفيفة وتشبه نزلة برد. ويشير ريتشارد مارتينيلو إلى أنه "في ذروة موسم الإنفلونزا، ليس من غير المألوف أن يكون أكثر من 50% من الأشخاص الذين تظهر عليهم أعراض بسيطة مثل سيلان الأنف أو التهاب الحلق أو سعال جاف مصابين بالفعل بالفيروس"، محذرًا من أن من ينقل إليهم العدوى قد يعانون من أعراض أشد.
وفي حال اضطرار الشخص للتواجد مع الآخرين، ينصح الخبراء بارتداء كمامة محكمة الإغلاق، والتغطية عند العطس باستخدام المرفق بدل اليدين، لتقليل فرص انتقال العدوى.
ينصح الخبراء بالاتصال بالطبيب فور ظهور أعراض الإنفلونزا، وبدء العلاج خلال 12 ساعة للحصول على أفضل النتائج، أو خلال 48 ساعة كحد أقصى، حسب توصية دانوتا سكوفرونسكي.
ويشدد الأطباء، على أن الفئات الأكثر عرضة للمضاعفات هم، ضعاف المناعة، والنساء الحوامل، وكبار السن فوق 65 عامًا، والأطفال الصغار، ويجب أن يكونوا أكثر حرصًا هذا الموسم. أما الأشخاص الآخرون، فإن التطعيم لا يحميهم فحسب، بل يحمي أيضًا أحبائهم الأكثر عرضة للخطر. كما يقول ماركوس بيريرا: "الحصول على اللقاح هو تصرف مسؤول، لحماية نفسك ومن تحب".
اقرأ أيضًا :
ماذا يحدث لجسمك عند الغناء؟ فوائد غير متوقعة













