دراسة: الإكراميات لا تضمن خدمة أفضل كما نعتقد

نوفمبر ٣, ٢٠٢٥

شارك المقال

دراسة: الإكراميات لا تضمن خدمة أفضل كما نعتقد

رغم أن الإكراميات أصبحت جزءًا لا يتجزأ من ثقافة المطاعم والفنادق في كثير من الدول، فإن دراسة حديثة أثارت تساؤلات حول مدى جدواها الحقيقية، وهل تؤدي فعلًا إلى تحسين جودة الخدمة أم أنها مجرد عادة اجتماعية باهظة الثمن.

وتناولت الدراسة، التي أعدّها الدكتور ران سنيتكوفسكي من كلية كولر للإدارة في جامعة تل أبيب، والأستاذ لورانس ديبو من كلية تاك للأعمال في كلية دارتموث، ظاهرة الإكراميات من منظور اقتصادي وسلوكي، وطرحت نموذجًا يفسر دوافع الناس لتقديمها.

كيف ترتفع الإكراميات بمرور الزمن؟

يقول الباحثان إن الناس يقدمون الإكراميات لأحد سببين أساسيين: إما بدافع الامتنان الصادق للخدمة المقدمة، أو بدافع الالتزام بما يفعله الآخرون. ويُطلق الباحثان على الفئة الأولى اسم “المقدّرين”، بينما يُطلقان على الثانية “المتوافقين” أو “الممتثلين للعرف الاجتماعي”.

ويضيف سنيتكوفسكي أن الأشخاص الذين يُقدّرون الخدمة يميلون إلى دفع إكراميات تفوق المعدل المعتاد، في حين يدفع الآخرون مبالغ قريبة من المتوسط تجنبًا للظهور بمظهر البخل أو الاختلاف عن السلوك العام. ومع مرور الوقت، يؤدي هذا النمط إلى ارتفاع تدريجي في متوسط الإكراميات في المجتمعات التي تُعتبر فيها ممارسة شائعة، مثل الولايات المتحدة.

ويشير الباحث إلى أن “الإنسان الاقتصادي” الذي يسعى لتحقيق أقصى منفعة مادية لا يجد سببًا منطقيًا لتقديم المال بعد إتمام الخدمة، خاصة في المواقف التي لا يتوقع فيها لقاء مقدم الخدمة مرة أخرى. ومع ذلك، لا يتردد الناس في ترك إكراميات لسائق تاكسي أو عامل في مطعم لن يروه مجددًا، مما يُظهر أن التفسير لا يمكن أن يكون اقتصاديًا بحتًا، بل نفسيًا وسلوكيًا في المقام الأول.

وخلصت الدراسة إلى أن الإكراميات تتأثر بالضغوط الاجتماعية، فكلما زادت رغبة الناس في التماشي مع الآخرين، ارتفع متوسط المبالغ المدفوعة. ويقول سنيتكوفسكي: “الذين يُقدّرون الخدمة هم من يدفعون المعدلات إلى الأعلى، فيما يحاول الآخرون مجاراتهم”. ويضيف أن هذا النمط قد يفسر كيف ارتفعت نسب الإكراميات في الولايات المتحدة من نحو 10% في العقود الماضية إلى حوالي 20% حاليًا. كما يرجّح الباحث أن ارتفاع التفاوت الاقتصادي بين الطبقات قد يكون عاملًا آخر ساهم في تضخّم الإكراميات.

هل تُحسن الإكراميات الخدمة فعلًا؟

بحسب الدراسة، لا يمكن الجزم بأن الإكراميات تُعد حافزًا فعّالًا للعاملين في قطاع الضيافة. فحين يعرف النادل أن الزبائن سيدفعون نفس المبلغ تقريبًا بغض النظر عن جودة الخدمة، تقل لديه الدوافع لبذل جهد إضافي. ويقول سنيتكوفسكي: “في بيئة يغلب فيها الالتزام بالعُرف الاجتماعي، تفقد الإكرامية قيمتها التحفيزية. أما في الحالات التي تعبّر فيها الإكرامية عن تقدير حقيقي، فإنها قد تشجع على تقديم أداء أفضل”.

لكن الدراسة تطرح أيضًا سيناريو اقتصاديًا معاكسًا: ففي حال أصبحت الإكراميات دليلًا واضحًا على استعداد الزبائن للدفع أكثر مقابل الخدمة، قد تُقرر الشركات رفع أسعارها، ما يدفع الزبائن إلى خفض الإكراميات من جديد. وتتطرق الدراسة إلى النظام الأمريكي المعروف باسم “Tip Credit”، الذي يسمح لأصحاب العمل بدفع أجور أقل من الحد الأدنى للعاملين الذين يعتمدون على الإكراميات، على أن تغطي الأخيرة الفرق.

وعلى سبيل المثال، إذا كان الحد الأدنى للأجور 8 دولارات في الساعة، يمكن لأصحاب المطاعم دفع 3 دولارات فقط للنادل، مع الاعتماد على الإكراميات لتغطية المبلغ المتبقي. وإذا لم تصل الإكراميات إلى الحد الأدنى، يجب على صاحب العمل تعويض الفرق. أما إذا تجاوز دخل العامل 8 دولارات، فيحتفظ بالزيادة. ويرى سنيتكوفسكي أن هذا النظام يمنح الشركات مرونة في خفض الأسعار وجذب الزبائن، لكنه عمليًا ينقل عبء الأجور من أصحاب العمل إلى المستهلكين، مما يقلل من استقرار دخل العاملين في المطاعم والفنادق.

ويعترف سنيتكوفسكي بأنه لا يحب نظام الإكراميات شخصيًا، قائلاً: “الإكراميات تضع الزبائن في مواقف محرجة، وتخلق تفاوتًا بين العاملين، بل وتشجع أحيانًا على السلوكيات التمييزية”. وأشار إلى أن دراسات سابقة أظهرت أن الزبائن يميلون لمنح إكراميات أعلى للعاملين الذين يشبهونهم عرقيًا أو ثقافيًا، وأن العاملات في المطاعم قد يتعرضن لضغوط لعدم وضع حدود معينة خوفًا من خسارة الإكرامية.

ومع ذلك، يرى الباحث أن للإكراميات جانبًا إيجابيًا، فهي تمنح من يرغب في دعم العاملين فرصة لفعل ذلك طوعًا، وتشجع — ولو بشكل محدود — على تحسين الخدمة. لكنه يؤكد أن التطور التكنولوجي أوجد أدوات أكثر عدلاً لتقييم الأداء، مثل التقييمات الإلكترونية وأنظمة المراقبة الحديثة، ما يجعل الإكراميات في نظره عادة قابلة للمراجعة وربما الاستغناء عنها في المستقبل.

اقرأ أيضًا:
ثقافة “البقشيش”.. ما هي قيمة الإكرامية التي يجب دفعها في كل بلد؟
أفضل وجهات الطعام في العالم
إنفوجرافيك | أرقام صادمة حول هدر الطعام عالميًا

الأكثر مشاهدة

أحصل على أهم الأخبار مباشرةً في بريدك


logo alelm

© العلم. جميع الحقوق محفوظة

Powered by Trend'Tech