في عام 1492، أبحر المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس غربًا، سعيًا لاكتشاف طريق بحري جديد إلى الصين وجنوب آسيا. إلا أن رحلته قادته إلى اكتشاف غير متوقع، بعدما اصطدم بما يُعرف اليوم بالأميركتين، ليحط رحاله في جزر البحر الكاريبي.
ورغم أن الفايكنج كانوا قد وصلوا إلى سواحل نيوفاوندلاند قبل نحو 500 عام من كولومبوس، فإن رحلاتهم لم تؤدِّ إلى استيطان دائم في القارة الجديدة. أما اكتشاف كولومبوس فكان الشرارة التي فتحت الباب أمام موجة واسعة من الاستعمار الأوروبي لنصف الكرة الغربي.
ووفقًا لتقرير موقع ” لايف ساينس”، يطرح المؤرخون تساؤلًا مثيرًا حول ما كان سيحدث لو فشلت رحلة كولومبوس، سواء بسبب غرق سفنه أو عودته قبل بلوغ وجهته، وكيف كان من الممكن أن يتغير مجرى التاريخ العالمي في تلك الحالة.
يرى عدد من الخبراء إن رحلة كريستوفر كولومبوس يمكن اعتبارها، إلى حدٍّ ما، فاشلة. وأوضح المؤرخ والباحث المستقل دوغلاس هانتر، الحاصل على درجة الدكتوراه في التاريخ، أن كولومبوس “لم يُحقق هدفه في إثبات وجود طريق غربي جديد إلى ثروات آسيا”. وأضاف هانتر، أن كولومبوس نفسه لم يعترف بهذا الفشل، إذ ظلّ مصرًّا على أن الأراضي التي وصل إليها كانت جزءًا من آسيا، رغم تزايد الأدلة التي أثبتت عكس ذلك.
تؤكد الأبحاث أن السكان الأصليين وصلوا إلى الأمريكتين منذ نحو 23 ألف عام على الأقل، بينما لم تطأ أقدام الأوروبيين تلك الأراضي إلا بعد ذلك بآلاف السنين. ويتفق العلماء على أنه لو لم ينجح كريستوفر كولومبوس في الوصول إلى نصف الكرة الغربي، لكان مستكشف أوروبي آخر قد فعل ذلك في وقت قريب.
وأوضح فيليبي فرنانديز-أرميستو، أستاذ التاريخ في جامعة نوتردام، أن “ثمانينيات القرن الخامس عشر أثبتت أن استكشاف المحيط الأطلسي كان مربحًا بفضل منتجات مثل السكر وسمك القد والفقمات والحيتان وعاج الفظ والنروال وذهب غرب إفريقيا والعبيد من أيسلندا وإفريقيا، وأنه كان من المفترض أن يتم الوصول إلى الشاطئ البعيد في وقت ما”.
لا يزال السؤال حول من كان سيصل إلى نصف الكرة الغربي وما كان سيحدث بعد ذلك موضع نقاش بين المؤرخين. وقال جيفري سيمكوكس، أستاذ التاريخ الفخري بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، إن إسبانيا كانت ستخسر السباق على الأرجح لصالح البرتغال. وأوضح أنه “لو لم تُعاود إسبانيا المحاولة، لكانت البرتغال قد تكفلت بتمويل الرحلة”.
وأشار سيمكوكس، إلى أن البرتغاليين كانوا يُبحرون على طول سواحل إفريقيا منذ أوائل القرن الخامس عشر، وتوغّلوا في المحيط الأطلسي بما يكفي لاحتلال جزر الأزور وماديرا.
رجّح المؤرخ جيفري سيمكوكس، أن البرتغال كانت ستتحرك سريعًا لقيادة الرحلة التالية عبر المحيط الأطلسي في حال فشل كريستوفر كولومبوس في مهمته، قائلًا “لو فشل كولومبوس، لكان التاج البرتغالي قد روّج بسرعة للرحلة الأطلسية التالية”، مشيرًا إلى أن ملك البرتغال كان على دراية كاملة بالنوايا الإسبانية، وكان سيسعى للتحرك بسرعة لاستباق أي خطوات إسبانية.
أعرب فيليبي فرنانديز-أرميستو عن شكوكه في أن البرتغال كانت ستهزم إسبانيا في سباق الاكتشاف، موضحًا أن جزر الكناري الخاضعة للسيطرة الإسبانية، والتي أبحر منها كولومبوس، كانت الموقع الأنسب لإطلاق رحلة استكشافية غربًا. وقال فرنانديز-أرميستو: “من المرجح أن تكون الرحلة الإسبانية قد سبقت، لأن جزر الكناري كانت أفضل نقطة انطلاق من حيث نظام الرياح”.
يتساءل المؤرخون كيف كان التاريخ سيتطور لو كان مستكشف برتغالي هو أول من وصل إلى نصف الكرة الغربي بدلًا من كولومبوس. ويرى الباحث دوغلاس هانتر أن ذلك كان سيُغيّر مسار العديد من الأحداث التاريخية، مشيرًا إلى أن معاهدة توردسيلاس الموقعة عام 1494، والتي قسمت المحيط الأطلسي بين إسبانيا والبرتغال، ربما لم تكن لتُبرم أصلًا، إذ لم تكن البرتغال لتشعر بالحاجة إلى تقاسم الأراضي مع جارتها.
وأضاف هانتر، أن الفتوحات الإسبانية الكبرى في القرن السادس عشر، مثل حملة هيرنان كورتيس ضد إمبراطورية الأزتك وفرانسيسكو بيزارو ضد الإنكا، لم تكن لتحدث بالطريقة نفسها، لأن كلا القائدين كان يعمل بدعم من إسبانيا، رغم احتمال أن يقوم مستكشف برتغالي بمهام مشابهة في حال تغيّر مجرى التاريخ.
يرى فيليبي فرنانديز-أرميستو، أنه في حال كانت إسبانيا هي من وصلت أولًا إلى نصف الكرة الغربي، فإن مسار التاريخ لم يكن ليشهد اختلافًا كبيرًا، قائلًا “الاختلاف التاريخي كان سيكون طفيفًا، وربما لم يكن التأخير ذا أهمية تُذكر”.
يشير خبراء إلى أنه من الناحية اللغوية، كان من الممكن أن تتغير بعض ملامح العالم لو وصل مستكشف برتغالي إلى الأمريكتين أولًا؛ إذ كانت اللغة البرتغالية ستنتشر على نطاق أوسع في نصف الكرة الغربي مما هي عليه اليوم.
كما يُرجّح أنه لو فشل كريستوفر كولومبوس في الوصول إلى القارة الجديدة، لما ذاع اسمه بهذا الشكل الواسع، إذ تحمل اليوم مقاطعة كولومبيا في الولايات المتحدة ودولة كولومبيا، إلى جانب العديد من المواقع الأخرى، اسمه تكريمًا له.
يُحتمل أنه حتى في حال فشل كريستوفر كولومبوس، كانت بعض المناطق في أمريكا الشمالية والجنوبية ستحمل أسماء مستكشفين أوروبيين آخرين.
وأشار الباحث دوغلاس هانتر، إلى أن الأخوين بينزون، اللذين قادا سفينتي نينيا وبينتا ضمن أسطول كولومبوس، كانا من أبرز البحارة في زمنهما. وأوضح أنه لو فشل كولومبوس لكن نجح الأخوان بينزون لاحقًا في الإبحار إلى نصف الكرة الغربي، لكان من المرجح أن تُسمّى بعض الأماكن باسميهما، نظرًا لمهارتهما البحرية وثقة كولومبوس في قيادتهما للسفن.
وأضاف دوغلاس هانتر : “قد تكون بينزونيا عاصمة الولايات المتحدة اليوم”، في إشارة إلى احتمال تغيّر الأسماء لو وصل الأخوان بينزون أولًا إلى الأمريكتين.
وأشار تقرير موقع “لايف ساينس” إلى أن الشعوب الأصلية كانت ستتأثر سلبًا بأي اتصال أوروبي بسبب الأمراض والفتوحات، غير أنها واصلت المقاومة، ولا تزال حتى اليوم تحافظ على لغاتها وثقافاتها.
اقرأ أيضًا:
أكبر أساطيل السفن التجارية في العالم
آسيا تتقدم على أوروبا والأمريكتين في تركيبات الروبوتات الصناعية
دراسة جديدة تكشف.. هجرات ما قبل التاريخ من الصين إلى الأمريكتين