تقترب العاصمة الأمريكية واشنطن من مواجهة احتمال الإغلاق الحكومي عن العمل بحلول منتصف الليل، حيث يلوح في الأفق سيناريو قاتم بسبب عدم التوصل إلى اتفاق في الكونغرس قبل الساعة 12:01 من صباح الأربعاء، وهو ما يفتح الباب أمام بدء إغلاق حكومي جديد.
كان الجمهوريون قدموا مقترحًا قصير المدى لتمويل أنشطة الحكومة الفيدرالية حتى 21 نوفمبر، بينما تمسّك الديمقراطيون بضرورة أن يتضمن هذا المقترح تعديلات جوهرية، أهمها إلغاء تخفيضات برنامج “ميديكيد” التي أقرها الرئيس دونالد ترامب في تشريع واسع النطاق خلال الصيف الماضي، بالإضافة إلى الإبقاء على الإعفاءات الضريبية التي تساعد ملايين المواطنين على تحمّل تكاليف التأمين الصحي ضمن أسواق “أوباما كير”. لكن الجمهوريين وصفوا هذه المطالب بأنها غير قابلة للتطبيق. وحتى الآن، لم يبدُ أي طرف استعدادًا للتراجع، فيما لا يُتوقع أن يجري مجلس النواب تصويتًا خلال هذا الأسبوع.
عندما تتوقف المخصصات المالية، يفرض القانون على الوكالات الحكومية تعليق أنشطتها وتسريح موظفيها “غير الأساسيين” مؤقتًا، بينما يُستثنى أولئك الذين يضطلعون بمهام لحماية الأرواح أو الممتلكات، حيث يواصلون العمل ولكن من دون أجر لحين انتهاء فترة الإغلاق. وفي أطول إغلاق جزئي شهدته الولايات المتحدة خلال ولاية ترامب الأولى، والذي استمر 35 يومًا، جرى تسريح نحو 340 ألف موظف من أصل 800 ألف في الأجهزة المتأثرة، بينما بقي الآخرون في مواقعهم بحكم الاستثناء.
هناك خدمات لا تتوقف رغم انقطاع التمويل. إذ يواصل ضباط مكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) وعناصر وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومراقبو الطيران والأمن في المطارات عملهم بشكل طبيعي، وكذلك أفراد الجيش. كما تبقى برامج الإنفاق الإلزامي خارج نطاق الإغلاق؛ فشيكات الضمان الاجتماعي تُصرف كالمعتاد، ويظل المستفيدون من برنامج “ميديكير” قادرين على مراجعة الأطباء وتقديم طلبات التعويض، فيما تستمر الرعاية الصحية للمحاربين القدامى وخدمات الدفن في المقابر الوطنية.
بحسب تشريع أقره الكونغرس عام 2019، يحق للموظفين المسرّحين مؤقتًا تقاضي أجورهم كاملة بأثر رجعي عند عودتهم للعمل، وينطبق الأمر نفسه على من يواصلون العمل رغم الإغلاق. لكن طول فترة التعطيل قد يؤدي إلى حرمانهم من رواتب دورية لفترة، وهو ما يفرض ضغوطًا مالية على العديد من العائلات. أما العسكريون فسيتقاضون أيضًا أجورًا متأخرة بعد استئناف التمويل.
وفيما يخص خدمة البريد الأمريكية، فإنها لا تتأثر بالإغلاق، فهي كيان مستقل يعتمد على عائدات بيع خدماته ومنتجاته ولا يستمد تمويله من الموازنة الفيدرالية.
لكل وكالة فيدرالية خطتها الخاصة لتحديد الموظفين الذين سيبقون أو يُسرَّحون، والخدمات التي ستستمر أو تتوقف. في سابقة الإغلاقات الماضية، لجأت إدارة ترامب إلى إعادة فتح بعض المكاتب بشكل انتقائي لتخفيف الأثر، وهو ما اعتبره الخبراء تجاوزًا قانونيًا. لكن المذكرة الأخيرة الصادرة عن مكتب الإدارة والميزانية حذرت من تقليص كبير في عدد الموظفين الفيدراليين، تصل إلى تسريح دائم للوظائف في بعض البرامج التي لم تُدرج في تشريع التمويل الصيفي للرئيس ترامب.
قامت بعض الوكالات مؤخرًا بتحديث خططها على مواقعها الإلكترونية. بينما لا تزال لدى وكالات أخرى خططٌ حُدِّثت آخر مرة منذ عدة أشهر أو سنوات، مما يُعطي مؤشرًا على سابقةٍ قد تُرشد إدارة ترامب. وتنوعت الخطط للوكالات كالتالي:
وزارة الصحة والخدمات الإنسانية.. نحو 41% من موظفيها سيتم تسريحهم مؤقتًا، فيما يواصل الباقون أعمالًا مرتبطة بسلامة الأرواح والممتلكات.
مراكز السيطرة على الأمراض (CDC).. ستواصل مراقبة انتشار الأمراض، لكن تواصلها مع الجمهور سيتوقف، ولن تستقبل المعاهد الوطنية للصحة مرضى جدد إلا للحالات الحرجة.
هيئة الغذاء والدواء (FDA).. ستؤجَّل أو تُوقف أنشطة عديدة، مثل استقبال طلبات الأدوية الجديدة أو الأجهزة الطبية.
وزارة التعليم.. ستسرّح حوالي 1500 موظف من أصل 1700، باستثناء العاملين ببرامج مساعدة الطلاب، مع استمرار صرف المنح والقروض القائمة، لكن منحًا جديدة ستتوقف.
المتنزهات الوطنية.. ستغلق المنشآت التي لا يمكن الوصول إليها خارج أوقات العمل، بينما تظل بعض المناطق المفتوحة متاحة للجمهور.
وزارة النقل.. ستوقف تعيين مراقبي الحركة الجوية والتدريب والاختبارات الأمنية الدورية.
مؤسسة سميثسونيان.. ستغلق المتاحف وحديقة الحيوان أمام الزوار، نظرًا لاعتمادها على التمويل الفيدرالي.
يرى مدير مكتب الميزانية في الكونغرس، فيليب سواغل، أن إغلاقًا قصير الأمد لا يترك أثرًا ملموسًا على الاقتصاد، نظرًا لأن أجور الموظفين تُدفع لاحقًا. لكن مع استمرار الإغلاق، يتزايد الضغط على البرامج الممولة حكوميًا وتتصاعد المخاوف بشأن استقرار دور الدولة. وتُظهر دراسات مصرف “غولدمان ساكس” أن الأسواق المالية لا تتأثر كثيرًا بالإغلاقات، إذ غالبًا ما تعاود الأسهم الارتفاع بعد فتح الحكومة. ومع ذلك، فإن إغلاقًا ممتدًا قد يخفض النمو الاقتصادي بنحو 0.15 نقطة مئوية أسبوعيًا، أو 0.2 نقطة عند احتساب انعكاسات القطاع الخاص، مع تعويض النمو لاحقًا عند استئناف العمل الحكومي.