وجد الجيش اللبناني نفسه في قلب معادلة وطنية ودولية بالغة الحساسية، حيث تتجه الأنظار نحو قدرته على تنفيذ قرار "حصر السلاح" الذي اتخذته الحكومة اللبنانية كشرط أساسي لبناء الدولة واستعادة السيادة.
ومع تصاعد حدة الخطاب السياسي ورفض حزب الله العلني لتسليم ترسانته العسكرية قبل التزام كيان الاحتلال الكامل ببنود وقف إطلاق النار، يبرز السؤال الوجودي الأكثر خطورة: هل تنزلق البلاد نحو مواجهة مباشرة بين القوة العسكرية الشرعية المتمثلة في الجيش اللبناني وبين أقوى فصيل مسلح في تاريخ لبنان المعاصر؟
وتتطلب الإجابة على هذا التساؤل تتطلب غوصًا في تعقيدات الموقف السياسي والعسكري الحالي وتوازنات القوى التي تحكم المشهد اللبناني.
المواجهة بين حزب الله والجيش اللبناني مستبعدة
يرى وزير العدل اللبناني، عادل نصار، أن سيناريو الصدام المسلح بين حزب الله والمؤسسة العسكرية هو أمر "غير مقبول" ومستبعد تمامًا من الناحية الواقعية والوجدانية.
ويستند هذا التقدير إلى قناعة راسخة بأن الجيش اللبناني يمثل "الحاضنة لكل لبنان" وليس طرفًا أو فريقًا في النزاع السياسي القائم، وهو ما يجعل أي فريق لبناني، بما في ذلك حزب الله، يتردد كثيرًا قبل أن يضع نفسه في مواجهة مباشرة معه.
وتؤكد تصريحات نصار أن الحزب يدرك تمامًا استحالة خوض غمار معركة داخلية ضد الجيش، خاصة وأن عناصره وجمهوره يرفضون أن يكونوا طرفًا في مواجهة مع المؤسسة التي تحظى بإجماع وطني.
وتشير التقارير الميدانية أن الجيش اللبناني بدأ بالفعل بتنفيذ مهامه المحددة من قبل السلطة السياسية، حيث يركز جهوده حاليًا في منطقة جنوب الليطاني مع التخطيط للانتقال إلى شمال النهر لاحقًا.
ورغم التصريحات النارية لمسؤولي حزب الله التي ترفض التفريط بالسلاح، إلا أن الوقائع على الأرض تشير إلى تعاون "صامت" في بعض المناطق لتسهيل مهام الجيش، تجنبًا لجر البلاد نحو كوارث داخلية جديدة.
ويشدد وزير العدل على أن المبادرة من حزب الله لتسليم سلاحه طواعية ستكون بمثابة المدخل الطبيعي لتسريع إعادة بناء لبنان وتجنيب البلاد المخاطر الخارجية المحدقة.
مأزق الردع والمقاربة الدبلوماسية عبر الجيش اللبناني
تتبنى الحكومة اللبنانية اليوم مقاربة مفادها أن سلاح حزب الله لم يعد يشكل "قوة رادعة" حقيقية في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة، وهي حقيقة يقر بها الحزب نفسه من خلال اعترافه بعدم وجود توازن قوة عسكري.
ومن هذا المنطلق، يبرز الجيش اللبناني كأداة وحيدة لتعزيز الموقف التفاوضي للدولة؛ إذ إن امتلاك السلطة الرسمية لحصرية السلاح هو ما يمنح لبنان القوة اللازمة في المحافل الدولية لفرض التزامات على إسرائيل.
ووفقًا لوزير العدل، فإن بقاء السلاح خارج إطار الدولة، يضعف السيادة ويقوض الموقع اللبناني، مما يجعل حصر السلاح مصلحة لبنانية خالصة وليس استجابة لضغوط خارجية.
وتستند الحكومة في مسعاها لتعزيز دور الجيش اللبناني إلى "البيان الوزاري" الذي نالت على أساسه ثقة البرلمان، والذي نص بوضوح وبإجماع الوزراء بمن فيهم المقربون من الحزب على حصرية السلاح بيد السلطات الرسمية.
ويطرح الوزير نصار تساؤلًا جوهريًا: إذا كان الخيار العسكري لم يحقق الردع المنشود، فلماذا لا تُمنح الدولة اللبنانية والجيش كافة المقومات لخوض المواجهة عبر القنوات السياسية والدبلوماسية؟.
وقال إن "جر الإسرائيلي إلى ملعب المحافل الدولية" يتطلب أولًا إنهاء حالة ازدواجية السلاح، لتمكين الدولة من الدفاع عن البلاد بالوسائل التي تناسب المصلحة الوطنية العليا.
تحديات بناء الدولة تحت حماية الجيش اللبناني
مع تصاعد التهديدات الإسرائيلية بعودة الحرب بذريعة "عجز الحكومة عن نزع السلاح"، يجد الجيش اللبناني نفسه في سباق مع الزمن لإثبات قدرته على فرض الاستقرار الداخلي.
وتؤكد الحكومة أن عملية حصر السلاح هي "المدخل الطبيعي" لبناء الدولة، وأن ربط هذا المسار برغبات إسرائيل هو مقاربة غير سليمة؛ فبناء الدولة القوية هو الذي يحد من قدرة إسرائيل على الاعتداء.
ويشدد وزير العدل على أن الجيش ينفذ قرارًا سياسيًا سياديًا، وأن نجاحه في هذه المهمة يعتمد على تكاتف القوى السياسية لمنحه الصلاحيات الكاملة التي تمنع إعطاء أي ذريعة للعدوان الخارجي.
وأكد أن المسار العسكري التقليدي قد فشل في حماية لبنان وأدى إلى كوارث إنسانية واقتصادية، مما يجعل من تقوية الجيش اللبناني الخيار الوحيد المتبقي.
وبينما تستمر المفاوضات والاجتماعات التقنية في الناقورة لمنع جر البلاد إلى حروب جديدة، يظل الرهان على وعي كافة الفرقاء اللبنانيين بضرورة عدم الصدام مع المؤسسة العسكرية، حسب تصريحات نصار.














