logo alelm
رغم التقدم الهائل.. لماذا ما زالت اليابان متمسكة بالفاكس وأختام “هانكو”؟

عندما يُذكر اسم اليابان، تتبادر إلى الذهن صور ناطحات السحاب اللامعة، القطارات السريعة، وأحدث تقنيات الروبوتات والذكاء الاصطناعي، لكن خلف هذه الصورة المستقبلية، تختبئ مفارقة تكنولوجية، بلد متقدم لا يزال يعتمد على أدوات بيروقراطية قديمة مثل الفاكس وأختام (هانكو)، وأحيانًا الأقراص المرنة أيضًا.

عالم متقدم.. بأدوات من الماضي

رغم ريادة اليابان في العديد من الصناعات التقنية خلال العقود الماضية، خصوصًا في مجالات الإلكترونيات والسيارات، فإنها تباطأت بشكل ملحوظ في اعتماد الأنظمة الرقمية الحديثة.

فما تزال الإدارات الحكومية تعتمد على الطوابع الحبرية لتوثيق المستندات، وتستخدم أجهزة الفاكس لإرسال واستقبال المعلومات، كما لا تزال بعض المؤسسات تستخدم الأقراص المرنة لتخزين البيانات.

الجائحة تفضح الواقع الرقمي الهش

برزت الفجوة الرقمية في اليابان بشكل كبير خلال جائحة كوفيد-19، حيث كشفت الأزمة عن مدى بطء الأنظمة الرقمية، وعدم كفاءتها في إدارة البيانات وتنسيق الجهود، فقد واجهت وزارة الصحة اليابانية صعوبة في تتبع الإصابات والإبلاغ عنها، نتيجة اعتمادها على الفاكس والمكالمات الهاتفية والوثائق الورقية.

حتى عند محاولة تطوير تطبيق لتتبع المخالطين، واجه التطبيق أعطالًا أدت إلى تعطيله لعدة أشهر دون علم المستخدمين، حيث دفع هذا التأخر الرقمي وزير التحول الرقمي الياباني إلى وصف الموقف حينها بأنه “هزيمة رقمية”.

عوامل متعددة وراء التباطؤ

يعزو الخبراء تأخر اليابان الرقمي إلى مجموعة من العوامل:

  • الثقافة المؤسسية المحافظة التي تفضل تجنب المخاطرة وتعتمد على التسلسل الهرمي.
  • انخفاض معدل الولادات وشيخوخة السكان، مما أدى إلى قلة الضغط الشعبي لاعتماد التكنولوجيا الرقمية.
  • نقص الكوادر التقنية داخل الإدارات الحكومية، إذ إن العديد من الوزارات اعتمدت حلولًا منفصلة دون تنسيق مركزي، ما أدى إلى تكرار المشكلات.
  • التمسك بالعادات التقليدية مثل ختم “هانكو” الوراثي للإمضاء، الذي يعتبر رمزًا شخصيًا في اليابان.

التحول البطيء يبدأ

بعد الصدمة التي خلّفها الوباء، أسست الحكومة “الوكالة الرقمية” في عام 2021 بهدف تحديث البنية التحتية الحكومية، ونجحت هذه الوكالة في إلغاء أكثر من 1000 لائحة كانت تفرض استخدام الأقراص المرنة، وأعلنت انتصارها في “حرب الأقراص” منتصف 2023.

ومع ذلك، ما زالت بعض الوزارات تُصر على استخدام أجهزة الفاكس، بل وقدّمت اعتراضات رسمية على محاولات إزالتها.

القطاع الخاص على الطريق

من جانبها، بدأت الشركات اليابانية في الاستعانة بمستشارين خارجيين لتحديث أنظمتها، وتجاوز اعتمادها على الأنظمة القديمة، حيث يقول ماساهيرو غوتو، أحد مستشاري التحول الرقمي، إن الشركات أصبحت أكثر انفتاحًا لكن ما زالت بحاجة للدعم، إذ تعتمد كثير منها على أنظمة تتطلب صيانة مكلفة أو أوشكت على انتهاء عمرها الافتراضي.

وتشهد اليابان أيضًا تزايدًا في استخدام الحلول السحابية والمدفوعات الإلكترونية، خصوصًا في المدن الكبرى، بدافع من جيل الشباب المتحمس للتحول الرقمي.

الرقمنة أصبحت ضرورة للبقاء

تدرك الحكومة اليابانية أن التحول الرقمي لم يعد رفاهية، بل هو ضرورة لمواجهة الانكماش السكاني، والحفاظ على الإنتاجية، ومواكبة سرعة التغيير العالمي في تكنولوجيا المعلومات.

لكن الرقمنة في اليابان ستتطلب ما هو أكثر من بنية تحتية، حيث يتطلب الأمر أيضًا تغييرًا في الثقافة، والأنظمة القانونية، وآليات اتخاذ القرار.

اليابان نحو المستقبل.. ولكن ببطء

يُجمع الخبراء على أن اليابان تملك المقومات اللازمة للحاق بركب الرقمنة، لكنها تحتاج إلى تسريع وتيرة الإصلاحات، ويُقدّر البعض أن البلاد قد تصل إلى مستوى نظرائها الغربيين في غضون 5 إلى 10 سنوات، إذا استمرت الجهود الحالية بثبات.

وفي النهاية، فإن التناقض بين التطور التكنولوجي الياباني في بعض المجالات، والاعتماد على أدوات قديمة مثل الفاكس والأختام الحبرية، لا يعكس ضعفًا في الإمكانات بقدر ما يعكس صراعًا بين الحداثة والتقاليد في قلب مجتمع شديد التعقيد.

يمكنك أن تقرأ أيضًا:

أرقام قياسية في السماء.. أكثر الشعوب التي تحب السفر جواً

عالم القطط.. أرقام مُدهشة وخفايا لا تنتهي

إنفوجرافيك| اللغات الأكثر تحدثا في العالم

شارك هذا المنشور:

المقالة السابقة

لماذا قررت ألمانيا تقليص دعمها العسكري لإسرائيل الآن؟

المقالة التالية

إنفوجرافيك| 8 أسباب تدفع لبنان لحصر السلاح بيد الدولة