من كان يتخيّل أن الكرات الهشة التي كنّا نلهو بها في طفولتنا، يمكن أن تُحمل رسائل سرية، أو تُستخدم لاستخراج المياه من الهواء، أو تُضيء عند انفجارها؟ ففي عالم يميل إلى الاستهانة بالأشياء الصغيرة، تأتي «الفقاعة» لتعيد تعريف ما يمكن اعتباره مهمًا، بل وثوريًا أحيانًا.
تبدو الفقاعات للوهلة الأولى مجرد لهو بصري، تبهج الأطفال وتتبخر بسرعة، لكن العلماء، على مدار سنوات، أعادوا اكتشافها بعيون مختلفة، محوّلين إياها إلى أدوات بحث متقدمة، من مجرّد كرات صابون إلى ظواهر فيزيائية وبيئية وكونية تفتح أبوابًا لفهم العالم والكون والإنسان.
وفي هذا السياق، نستعرض عشر حقائق علمية مذهلة تُبرز كيف أن أبسط الأشياء قد تحمل في طيّاتها أعقد الأسئلة.
في واحدة من أغرب الابتكارات، تمكّن باحثون في معهد «MIT» من تحويل «بلاستيك الفقاعات» الشائع في التغليف إلى جهاز لجمع مياه الشرب من الهواء.
استخدموا مادة هلامية تمتص الرطوبة ليلًا في بيئات شديدة الجفاف، مثل وادي الموت بكاليفورنيا، لتتكثف لاحقًا في النهار داخل فقاعات مغلقة بين طبقتين زجاجيتين، دون الحاجة إلى أي طاقة كهربائية. بحسب التجارب الميدانية، تنتج هذه الألواح كمية تكفي لتزويد منزل بمياه الشرب يوميًا.
هل يمكن أن يصدر الضوء من انفجار فقاعات؟
نعم، ويُطلق على هذه الظاهرة اسم «الضوء الصوتي» أو Sonoluminescence. حين تُقْصَف فقاعة صغيرة بالموجات الصوتية داخل الماء، تنهار لتطلق ومضة ضوء باللون الأزرق.
ورغم أن الفيزياء الكمية تقدم مفاتيح لفهمها، فإن اللغز لا يزال مفتوحًا، ما يدفع العلماء لاستكشاف استخدامها في تطوير مصادر ضوء كميّ منخفضة التكلفة.
هل تُخزن الرسائل في الجليد؟
في عام 2025، نشر فريق صيني ورقة علمية تشرح كيف يمكن تخزين رسائل سرية داخل فقاعات الهواء المجمدة في الجليد.
بتعديل الشكل والموقع والحجم، تتحوّل الفقاعات إلى شيفرة يمكن قراءتها بصريًا. الباحثة «مينججي سونج» أوضحت أن هذه التقنية صالحة للبيئات القطبية، وتوفر وسيلة اتصال آمنة ومستدامة دون طاقة.
رغم عبقريته، عجز ليوناردو دافنشي عن تفسير سلوك الفقاعات الغازية في السوائل.
استغرق الأمر 500 عام حتى تمكن باحثون من نمذجة هذا السلوك، فاكتشفوا أن الفقاعات الكبيرة تصعد بتمايل لأنها تُحدث دوامة صغيرة أسفلها، بعكس الصغيرة التي تقفز صعودًا في خط مستقيم.
الفقاعة المعتادة هي غاز محاط بسائل، أما «الفقاعة المضادة» فهي سائل محاط بطبقة هوائية.
رغم هشاشتها، فإن هذه البنى الهشة قد تُستخدم مستقبلًا لنقل الأدوية داخل الجسم. في تجربة فريدة على محطة الفضاء الدولية، حقق العالم «دون بيتّيت» اختراقًا عندما حقن هواءً داخل كرة ماء، منتجًا فقاعات داخل فقاعات، ما أعاد التفكير في استخداماتها الحيوية.
على بعد 180 سنة ضوئية من الأرض، في كوكبة «دورادو»، كشف العلماء عن نجم عملاق يُدعى «R Doradus» يطلق فقاعات غازية بحجم يفوق الشمس بـ75 مرة.
باستخدام شبكة تلسكوبات «ألما» في تشيلي، التُقطت صورًا لهذه الظاهرة لأول مرة خارج مجموعتنا الشمسية. ويُعتقد أن دراسة هذه الفقاعات تُسهم في فهم مصير شمسنا مستقبلًا.
على عكس الصودا، تصعد فقاعات الشمبانيا في خطوط مستقيمة. السبب؟ وجود مركّبات تُسمى «المواد الفاعلة بالسطح»، تزيد انتظام التصاعد وتُضيف للطعم المميز.
هذا الاكتشاف ليس محصورًا في كأس أنيق، بل قد يُسهم في تحسين مراقبة انبعاثات الغازات من أعماق البحار.
في تجربة نُشرت عام 2024، تمكّن علماء في سلوفينيا من تحويل فقاعات صغيرة إلى أجهزة ليزر، بإضافة صبغة فلورية داخل الفقاعات ثم تسليط أشعة ليزر عليها.
النتيجة؟ ضوء ينبعث بترددات مختلفة حسب حجم الفقاعة. ويطمح العلماء إلى تطوير حساسات بيئية فائقة الحساسية انطلاقًا من هذه التقنية.
في أعماق الفضاء، رُصدت فقاعة عملاقة تُدعى «هولييلانا»، بعرض يقترب من مليار سنة ضوئية.
يعتقد العلماء أنها أثر باقٍ من الانفجار الكوني الكبير، وتدل على تمدد الكون بوتيرة أسرع مما ظنوا. وقد تُسهم هذه الفقاعة الكونية في حل لغز «الطاقة المظلمة» الذي حيّر العلماء لعقود.
هل تحاول الحيتان التواصل معنا؟
رصد باحثون أن حيتان «الهامبَاك» تنفث حلقات فقاعية باتجاه الغواصين والقوارب، في سلوك لم يُفسر على أنه عدواني أو مرتبط بالصيد.
دراسة نُشرت عام 2025 لاحظت 40 حلقة نفثتها 11 حوتًا من أعمار مختلفة، ما دفع الباحثة «جودي فريداني» للاعتقاد بأن هذه الفقاعات «محاولة تواصل» بين الأنواع.