قد ترتبط صورة زبدة الفول السوداني في الأذهان بشكل وثيق بالثقافة الأمريكية، لكن نظرة فاحصة على بيانات الاستهلاك العالمي للفرد تكشف عن حقيقة مغايرة تمامًا. فعلى عكس الاعتقاد الشائع، لا تحتل الولايات المتحدة قمة الترتيب، بل تفسح المجال لدول من غرب أفريقيا وجنوب شرق آسيا لتتربع على عرش قائمة الدول الأكثر استهلاكًا لهذه المادة الغذائية الشهيرة.
يكمن سر الهيمنة الأفريقية على قائمة استهلاك زبدة الفول السوداني في مجموعة من العوامل الثقافية والاقتصادية. فأولًا، تُعد دول غرب أفريقيا، مثل بوركينا فاسو وتشاد والنيجر، من كبار منتجي الفول السوداني محليًا، مما يجعله مكونًا متاحًا ورخيصًا. ثانيًا، لا تُعتبر زبدة الفول السوداني هناك مجرد دهن للساندويتشات، بل هي عنصر أساسي في المطبخ المحلي، حيث تُستخدم كقاعدة للصلصات التي تُضاف إلى الأطباق الرئيسية مثل الأرز والفوفو، مما يرفع معدل الاستهلاك اليومي بشكل كبير.
وأخيرًا، تلعب خصائصها العملية دورًا حاسمًا؛ فسعرها المعقول وقدرتها على البقاء صالحة للاستهلاك لفترات طويلة دون الحاجة إلى تبريد يجعلان منها مصدرًا لا غنى عنه للبروتين في المناطق التي تفتقر إلى بنية تحتية كهربائية مستقرة، مما يعزز مكانة زبدة الفول السوداني كغذاء أساسي.
على الرغم من عدم تصدرها القائمة من حيث نصيب الفرد، لا تزال الولايات المتحدة عملاقًا في عالم زبدة الفول السوداني عند النظر إلى الكميات الإجمالية المستهلكة، والتي تصل إلى حوالي 694 ألف طن سنويًا. ومع ذلك، عند تقسيم هذه الكمية على عدد السكان، يبلغ متوسط استهلاك الفرد حوالي 2 كيلوجرام (4.4 رطل) سنويًا، وهو ما يعادل ثلث استهلاك الفرد في بوركينا فاسو.
ويواجه نمو استهلاك الفرد في السوق الأمريكية تحديات متزايدة، أبرزها المنافسة الشرسة من بدائل أخرى مثل زبدة اللوز وزبدة بذور عباد الشمس، بالإضافة إلى التغيرات في الاتجاهات الغذائية والصحية التي تدفع المستهلكين نحو خيارات جديدة. وتتبع كندا نفس المسار تقريبًا، مع معدل استهلاك أقل يبلغ 1.4 كيلوجرام (3.1 رطل) للفرد.
ويشهد السوق العالمي لزبدة الفول السوداني نموًا ثابتًا ومستمرًا، حيث ارتفعت إيراداته من 5.1 مليار دولار في عام 2022 إلى 5.6 مليار دولار في عام 2024. هذا النمو لا يعكس فقط الزيادة السكانية العالمية، بل يشير أيضًا إلى ارتفاع شعبية المنتج في أسواق جديدة حول العالم، وتزايد الاعتراف بقيمته الغذائية.
