تحتفل الأمم المتحدة كل عام بنشأة التعاونيات البشرية من خلال تخصيص يوم الخامس من يوليو كيوم عالمي لها، قد تبدو فكرة التعاونيات اليوم مألوفة، لكنها بدأت من مبادرات بسيطة قام بها أناس عاديون في مواجهة ظروف اقتصادية قاسية. فقبل أن تتحول إلى حركة عالمية مؤثرة، كانت البداية في كوخ متواضع بقرية اسكتلندية، ثم على يد عمال من شمال إنجلترا قرروا أن يعملوا معًا لتحقيق العدالة الاقتصادية.
تعود أقدم وثيقة معروفة لتأسيس تعاونية إلى بلدة فينويك في اسكتلندا، بتاريخ 14 مارس 1761.
هناك، اجتمع عدد من النسّاجين المحليين في كوخ بسيط، وجلبوا كيسًا من الشوفان إلى منزل جون ووكر ليبيعوه بأسعار منخفضة لسكان المجتمع. هكذا وُلدت جمعية نسّاجي فينويك، واضعين حجر الأساس لفكرة التعاون الاقتصادي.
في عام 1844، اتخذ 28 حرفيًا يعملون في مصانع القطن بمدينة روتشديل شمال إنجلترا خطوة تاريخية.
أطلقوا جمعية رواد روتشديل التعاونية للعدالة، وهي أول نموذج تعاوني حديث كما نعرفه اليوم. واجه هؤلاء الحرفيون ظروف عمل قاسية وأجور منخفضة، ولم يتمكنوا من تحمل تكاليف المعيشة المرتفعة، فقرروا توحيد مواردهم وشراء المواد الأساسية بأسعار عادلة.
بدأوا ببيع أربعة منتجات فقط: الطحين، الشوفان، السكر، والزبدة. لكنهم أرسوا مبادئ عميقة: الشفافية، المشاركة في الأرباح، والديمقراطية داخل العمل التجاري، وكان كل زبون يُعتبر عضوًا في الجمعية وله الحق في اتخاذ القرار.
سرعان ما نمت الجمعية من متجر يفتح ليلتين أسبوعيًا إلى مؤسسة تعمل خمسة أيام، خلال أقل من ثلاثة أشهر.
ألهم نجاحهم الآخرين حول العالم لتأسيس تعاونيات مماثلة، مما جعل رواد روتشديل يُعرفون بـمؤسسي الحركة التعاونية العالمية.
انعقد المؤتمر التعاوني العالمي الثاني في باريس لتوسيع الفكرة وتوحيد الجهود الدولية.
بالتوازي مع تجربة روتشديل، قام فريدريش فيلهلم رايفايزن وفرانز هيرمان شولتز-ديلتش في ألمانيا بتطوير نموذج تعاوني مالي. ففي عام 1862، أسّسا أول اتحادات ائتمان تعاونية لخدمة المجتمعات الفقيرة.
ومع مرور الوقت، توسّع هذا النموذج ليشمل قطاعات عديدة، وأصبح حجر الأساس للعديد من المؤسسات المالية التعاونية الحديثة.